وقوله؛) منكِ (: أي حُبك ومن أجلك واستعمل) وَا (هنا دون) يا (. لانه أشهر أعلام التفجُّع والنُّدبة.
) وَبيضُ غِلمانِه كَنَائِلهِ ... أولُ مَحْمُولِ سَيْبِه الحَمَلَهْ (
جعلهم محمولين لأنهم إذا حملوا إلى المعطين البدر والثياب كانوا في جملة الهبات فكأنهم حملوا أنفسهم مع حملهم الهبات. وقوله:) أول محمول سيبه (قدمهم في السيب لأنهم أشرف أنواعه. وقال:) بيض غلمانه (يعني: الصقلب والروم لأنهم أثمن من الزنج والنوب وأحسن في الأعين وهذا البيت كقوله:
كأن عطياتِ الحُسين عساكرٌ ... ففيها العبدى والمُطَهَّمة الجردُ
) وراكب الهّوْلِ يُفتره ... لو كان للِهولِ مَجزِمٌ هزله (
أي إنه يركب الهول دائما، لا يُفتره ولا يُريحه، فلو تجسم الهول، فكان مركوبًا يُشد عليه الحزام، لهزل ذلك المحزم، بدوام الركوب وملازمته، وخص المحزم دون طوائف الجسم، لانه موضع الركوب والهمْز.
) قد هَذَّبَتْ فَهمَه الفَقَاهَةُ لي ... وهَذَّبت شعِرِي الفصاحةُ له (
والفقاهة: الفهم. تقول العرب: ماله فقاهة ولا فصاحة.
يقول: فقاهته في الشعر قد هذبت فهمه لي، باستحتانه ما أنقح من شعري فيه، حتى مايستحسن غيره من الشعر المتعسف المخْشُوبِ. وهذبت فصاحته شعري له، أي لما علمت إنه فصيح، نقيت ألفاظ شعري واستجدتها، فكانت فصاحته هي التي هذبت شعري.
) فَأكبروا فِعلهُ وأصغرهُ ... أكبرُ من فِعْلهِ الذي فعله (
أي أعظموا فعل أبى العشائر، وأصغره هٌوَ، أي استصغره، لانه صغير بالإضافة إليه، كما هو عظيم بالإضافة إليهم. ثم قطع فقال:) أكبر من فعله الذي فعله (: أي الفاعل أكبر من الفعل المنفصل عنه.
) فصرتُ كالسيفِ حامدًا يَدَهُ ... ما يَحْمَدُ السَّيفُ كلَّ مَنْ حَمَلَهْ (
أي أجاه الفهم عنى، كما أجاد الضرب بالسيف، فأنا كسيفه في أنى أحمد فهمه، كما يحمد السيف يده. إلا أن السيف يحمد منه جُسمانياُ وهو يمده وأنا احمد منه نفسانيًا وهو فهمهُ.
) ما يحمد السيف كل من حمله (: أي ليس كل حامل له يجيد الضرب به، فيكون حامدًا لكل من حمله. وكذلك أنا، ليس كل أحد يفهم شعري، فأحمدهم كما حمدت هذا الممدوح.
وله ايضا:
) أعيدُوا صَبَاحيِ فَهْوَ عِنْدَ الكَواعبِ ... ورُدُّوا رُقادى فهو لَحْظُ الحَبَائِبِ (
إن شئت قلت: طال على الليل فلا صباح، وأسهرني الحزن فلا رُقاد، وكل ذلك بمغيب من أحببت. فيقول: أعيدوا الكواعب الي، فإذا كان ذلك قصُر ليلي، وجاء الصباح. وردوا الحبائب إلي، رُقادى عندهن، فإذا عُن عاودني نومي.
وإن شئت قلت: غاب عنه الصباح بمغيب الكواعب، لأن الدنيا تظلم على المحزون، فاذا أراد أن يُرد ذلك عليه، استدعى أن يُرد إليه الرُقاد. لانه قد كان يرى الخيال فيه وفي الخيال أنس فلما عدم الرقاد، عدم الخيال الذي كان يأنس به.
وقوله:) فهو لحظ الحبائب (أي أن سبب رُقادي نظري إليهن، فاذا لم ألحظهن سهرتُ غرضاُ إليهن.
) أرَاكِ ظَننتِ السِّلْكَ جسمِي فَعُقْتِه ... عليك بِدُرً عن لِقاء الترائِبِ (
السلك: الخيط. يقول: عهدت جسمي ناحلًا؛ فلما رأيت السلك حسبته إياه؛ ومن عادتك البخلُ بالعناق. فَحَجَزْتِ بين السلك وبين ترائبك بنظام الدُّر عليه، جريًا على ما اعتدته من البخل.
وقوله:) عليك (: ظرف في موضع الحال.
) إليك فإنى لستُ ممن إذا اتقى ... عضاض الأفاعي نام فوق العقارب (
ضرُّ العقرب، أسهل من ضر الأفاعي، فهو يزجُر عاذلته على اقتحام المهالك، والاهجام على صعاب المالك، فيقول لها: إليك؛ فإنى لا أصبرُ على الصغير من الأذى، فرقًا من العظيم؛ وإن كان أيسر من الموت؛ كما أن سم العقارب أخفٌّ من سم الأفاعى؛ وأبلغ من هذا قولهُ:
إن المنية عند الذلِّ قنديدُ
) أتانى وعيدُ الأدعياء وأنهم ... أعدوا لي السودان في كفر عاقب (
) كفر عاقب (: موضع بالشام، وأرصد له فيه قوم يريدون إهلاكه.) والأدعياء (: ناس ادعوا إلى على ﵇.
) ولو صدقُوا في جدهم لحذرتُهم ... فهل في وحدى قولهم غير كاذبِ (
1 / 40