أي على جوانب هذا السيف نار. شبه لمعه إذا هُز بلسان النار، وشبه أيدي القوم في تطايرها حوالي ناره بالفراش المتهافت في النار. وقال: أجنحة الفراش. لأن طيرانها إنما يكون بالأجنحة. وقد كان يعنى من ذلك الكلام، وأيدي القوم فراش. ولكن بقوله:) أجنحة الفراش (ولا معنى لرواية من روى) كأن على الجماجم (لقوله:) وأيدي القوم (وإنما كان يسوغ لو قال: وهن أجنحة الفراش يهنى الجماجم. فأما كون السيوف على الجماجم كالنار وتطاير الأيدي مع ذلك، فتشبيه.
) يُدَمِّى بَعضُ أيدي الخيلِ بعضًا ... وما بِعُجايةٍ أثرُ ارتهاش (
العُجاية: عُصيبة فوق الحافر. والارتهاش: أن تضطرب يد الفرس، فتنعقر ذراعاه، لأن ذلك الاضطراب يحدث عنه احتكاك. فيقول: إنما دميت أيدي هذه الخيل بعجلة الهزيمة والازدحام في الهرب، لارتهاش كان أصابها. ولو وصفها بالارتهاش، كان ذلك عيبًا لها، ولم يقتض مدحًا.
) لَقُوه حَاسِرًا في دِرْع ضرب ... دَقِيقِ النسج مُلتَهب الحواشي (
أقام الضرب في تحصينه له، مُقام درعٍ دقيقة النسج. ووصفها بالتهاب الحواشي، ذهابًا إلى حدة ضربه.
) مِنَ المُتَمِّردَاتِ يُذَبُّ عنها ... برُمحى كُلُّ طَائره الرَّشَاشِ (
أي قوسى هذه متمردة كالشيطان المريد، أذُب عنها بالطعن المُرش.
ولو قال: يذُب عنها رمحى بكل طائره الرشاش، لكان أليق؛ لأن الرمح فاعل لطعنته. والطعنة منفعلة له. فكأنه عكس إدلالًا واتساعًا.
) عَليكَ إذا هُزِلت مع الليالي ... وحَوْلك حين تَسْمَنُ في هِراشِ (
الهُزال هنا: مثل لإدبار الدُول، والسمن: مثل لإقبالها. يقول: إذا ساعدك الزمان بالإقبال عليك تهارشُوا في طلب المنفعة حواليك.
وذكر الهراش تخسيسًا لهم، لانه من فعل الكلاب. فإذا ألمت بك نوائبه فهم عليك أعوانه. والعرب تكنى بعلى على خلاف ما تكنى معه بمع. فمع واللام: للموالاة. وعلى: للخذلان والمعاداة. قال تعالى:) لها ما كَسَبتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ (ومعنى هذا البيت متداول كثير. ومنه قول بعض المُحدثين:
وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حربًا عوانا
وتقدير البيت: عليك مع الليالي إذا هزلت، وحولك في هراش إذا سمنت أي أنهم هم كذلك.
وله ايضا:
) خَلاَ وَفيهِ اهلٌ وأوْحَشَناَ ... وَفيِه صِرمُ مُروحٌ إبله (
الصرم: الجماعة من الناس، أي إنه خال عندي وإن كان فيه أهل، لأنهم غير أحبائي الين عهدت بها، وهو موحش وإن كان فيه صرم من الناس، لعدم أولئك الأحباء. ويقويه بعد هذا:
) لو خُلِط المِسكُ والعبيرُ بها ... ولستَ فيها لَخِلُتها تفله (
وإنما تحسن الأمكنه في عيون المحبين باحتيازها المحبوبين. وقوله:) وفيه أهل (: جملة في موضع الحال. وكذلك قوله:) وفيه صرم (جملة في موضع الحال ايضا، فاذا رددتها إلى الإفراد. فكأنه قال: خلا عامرًا، وأوحشنا آهلاُ.
) يَنْصُرها الغَيثُ وهيَ ظامِئةٌ ... إلى سِواهُ وسُحْبُها هطله (
ينصرها: يُسقيها. قال:
من كان أخْطَاهُ الربيعُ فإنما ... نُصِرَ الحجازُ بغَيثِ عبد الواحِدِ
وإنما قيل في المكان المسقى: نصره الغيث لأن المكان في غالب الأمر إنما يهُجر لجدبه. فذلك الخجر خذل له. فاذا سُقي أعشب وأخصب فاستدعى من رحل عنه، فكأنه نُصر بالمعاودة، كما خُذل بالترك، ولذلك دعُى للدار بالسُّقيا، لتخصب فيعاودها من حل بها، فيعود عامرًا ما كان منها غامرا.
ويقول: الدار ظامئة إلى من رحل عنها، إلا إلى الغيث الي ينصُرها ها وسحبها هطلة، ليكون لك أبلغ في استغراب الظمأ. وما أشبه ها بقوله:
إذا أردت كُميت اللون صافيةً ... وجدتُها وحبيبُ النفسِ مفقودُ
قوله:) وهي ظامئة (: جملة في موضع الحال. وكذلك) وسحبها هطلة (والسحب: جمع سحاب لا جمع سحابة لأن) فَعَالة (لاتكسر على فُعُل. إنما سجمع سحابة: سحائب.
) واحرباَ منك يا جِدَايَتهَا ... مُقيمة فاعلمي ومُر تحلهْ (
الجداية: الظبية. أي: واحربا منك ياظبية هذه الدار. أقمت أو منُعتِ منى وقُصرت عنى. فُمقامك وارتحالك سواء، كلاهما عائد علي بالحرب، وهو الهُلك. ومثله قول الآخر:
) والقريب الممنوعُ منك بعيدُ (
1 / 39