عنى بالقصائد: الجيوش، وإنما كنى عنها بذلك، لقوله:) مدحت قومًا (واستعمل النظم مكان الحشد، لماكن القاصائد، وجعلها من جياد الخيل والحُصُن، لانه عنى بالقصائد العساكر، والعساكر إنما تأتلف من الخيل وفُرسانها، ولو قال:) من إناث الخيل والحصن (لكان أذهب في الصنعة، لأن الحُصُن: الفحول من الخيل، فكان يطابق الإناث لقوله تعالى:) وَبَثَّ منهما رِجَالًا كثِيرًا ونِسَاءَ (. وأما) من جياد الخيل والحصن (، فقسمة غير سالمه، لأن الحصن قد تدخل في جياد الخيل، وكذلك جياد الخيل قد تدخل في الحصن، إذ بعض الجياد حصان، وبعض الحصن جواد. ومن عنى بالحصن الجياد، ما ذهب في باب القُبْح، لانه لا يوجب قسمها، إذ الجياد هي الحصن.
) تَحتَ العَجَاجِ قَوافِيها مُضَمَّرةٌ ... إذا تُنُوشِدنَ لم يدخُلْنَ في أذُنِ (
عنى بالقوافي الخيل، وخصها بالذكر لأنها أشرف ما في الشعر، لاشتمالها على اللوازم، كالروى والصِّلة والخرُوج والرِّدف والتأسيس، وغير ذلك من طوائف القافية، وإذا جادت القافي؛ سَرَت جودتُها في الشعر. واستجاز أن يجعل القوافي) مضمرة (، لكنايته بها عن الخيل.
) إذا تُنُوشدن لم يدخلن في أذن (: فرق مليح صحيح، لأنهن لسن في الحقيقة قوافي، فتلج في المسامع، وإنما هن خَيْل، وليس هناك تناشد. إنما استجازه للفظ القصائد والقوافي.
) غَضُّ الشبابِ بعيدٌ فَجُر لَيلتهِ ... مُجانبُ الجَفْنِ للفَحشاء والوَسَنِ (
يستغرب العبادة مع الشباب. و) بعيد فجر ليلته (: أي لا ينام، فآخر ليلته بعيد من أولها.) مُجانب الطرف للفحشاء والوسن (: هذا اختصار مليح. وما أحسن مقابلته الشباب بالفحشاء، والسهر بالوسن. وكأنه قال: غض الشباب، مجانب الطرف للفحشاء، طويل الليل، مجانب الطرف للوسن.
) ألقى الكرامُ الأى بادُوا مكارمهمُ ... على الخصيى عند الفَرْض والسُّنَنِ (
) الإلى (: بمعنى الذين بادوا من صلة) ألى (. أي باد هؤلاء الكرام وألقوا مكارمهم على هذا الممدوح، كأنهم كفلُوه إياها، كما يكفل الوصي اليتيم.
) فهن في الحجر منه كلما عرضت ... لَهُ اليَتَامَى بدا بالمجْدِ والمِنَنِ (
فُهن: يعني هذه المكارم الملقاة عليه التي كُلها. يقول: هذه المكارم التي مات اهلها، وبقيت يتامى في حجر هذا القاضي الممدوج، فهو يفرق أمواله فيهم، ويبدأ منهم بالمجد والمنة. فهما من جملة الأيتام، يظهرهما ويؤثرهما. كما يفعل الرابُ المُشبل. وقوله: اراد) بدأ (فأبدل إبدالا صحيحًا للضرورة. كما تقدم في تخطي ونحوها.
وله ايضا:
) لَقدَ حَازَني وَجْدَ بمن حَازَهُ بُعْدُ ... فيا ليتني بُعدٌ وياَليُتَه وجدُ (
أي الوجد خُلُقى فقد حازني، والبعد خُلُقه فقد حازه، يقول: فياليتني بُعد لأحوز كما حاز البعيد وياليته وجد فيحوزني كما حازني الوجد، فنجتمع ولا نتفرق.
) سُهاد أتانا منك في العين عِندنَا ... رقادٌ وُقلاَمٌ رَعَى سَرْبُكم وردُ (
استحين كل مكروه اتى من قبلهم؛ واستلطف كل جافٍ لهم، حتى جعل السهاد رُقاداٌ، والقلام - وهو ضرب من الحمض - وردًا. كل ذلك لحبه إياهم.
من الحمض - وردًا. كل ذلك لحبه إياهم.
) إذا غدرت حسناء وقت بعهدها ... ومن عهدها ألا يدوم لها عهدُ (
شيمة المرأة: الغدر. وهي التي عُهدت عليه فمتى غدرت فقد أوفت بعهدها
) وسيفي لأنت السيفُ لا ماتسُله ... لِضربٍ ومما السيفُ منه لك الغمدُ (
أقسم بسيفه، ثم تلقى القسم بقوله للممدوح، لأنت السيف، أي إنك أمضى من السيف بل أنت السيف في الحقيقة، إذا لولاك لم يكن للسيف عناء كقوله: إذا ضَرَبتْ يُمناهُ بالسيفِ في الوَغَى تَبيَّنْتَ أن السيف بالكف يضرِبُ) ومما السيف منه لك الغمد (: الشيء أنما يصُان بما هو دونه في القدر، ليكون له وقاء. يثول: فأنت أشرف من السيف، لأن السيف مطبوع من الحديد، وأنت تلبس الدروع والجواشن والترك، فهن لك كالغمد. وإذا كنت أنت مصونا بما السيف منه مصنوع. فلا محالة أنك أشرف من السيف، لأن السيف مساو للدرع في القدر؛ لأن جوهرهما سواء. والدرع لك لباس. والغمدُ في قوله) ومما السيف منه لك الغمد (:مرفوع بالابتداء. وخبره:) مما السيف منه (، فغمدك من الحديد الذي طُبع منه السيف:
1 / 35