) كَاَنَّ عَطِياتِ الحُسَين عساكِرٌ ... فَفِيهاَ العِبِدي والمُطّهّمةُ الجُردُ (
العسكر إنما يأتلف من الخيل والرجال. وهذا يهب الخيل والعبيد. فهذا وجه الكيفية في تشبيهه عطاياه بالعساكر. ثم يكثر هبة هذين النوعين، حتى يعود في كثرة العسكر. فهذا تشبيها بالعساكر من جهة الكمية. والعطية: المُعطى لا العطاء إذ لو كان ذلك لم يجز تشبيه العرض بالجوهر، فتفهمه.
) حَبَانيِ بأَثَمْان السوابِقِ دُونها ... مَخَافَة سَيْرِى إنها للنَّوى جُندُ (
) وَشَهوةَ عَوْدٍ إن جُودَ يميِنه ... ثُناَء ثُنَاءُ والجَوادُ بها فَرْدُ (
أي أعطاني الدنانير دون الخيل، مخافة أن أبين عنه، لأن الخيل جُند للنوى وأعوان. و) شهوة عودٍ (أي اراد أن أقيم فيُوإلى لي عطاياه. وإن جود يمينه ثُناء ثُناء: أي أياديه مثنى؛ وهو في ذاته فردٌ. وإن شئت عنيت بالعود، أنه معدوم النظير في جوده، كما يقال: رجل واحد: لامثل له، قال ابو ذؤيب:
يَحمى الصرِيمةَ أحدَانُ الرجال له ... صَيدٌ ومُجْتَرئٌ بالليلِ هَماس
فكأنه قال: والجوادُ بها أوحدُ.
) فَهُم في جُموع لايراها ابن داية ... وهُمْ في ضجيجٍ لا يُحس به الخُلدُ (
ابن داية: الغُراب، سُمي بذلك لانه يقع على دأية البعير، وهي فقارته، فيعقرها. والعرب تصف الغراب بصحة البصر، حتى عنوا به فقالوا: أ [صر من غراب، والخلد: فأرة عمياء لا سمع بها، رعموا. يقول: فما يراهم الحديدُ البصر ولا يُحس بهم الذي مبالغة. وليس يذهب في ذلك إلى قلة جموعهم، وجفوت لُجُمهم، إنما يذهب إلى احتقارهم، وقلة غنائهم، ومثله في ذلك الاستضعاف قوله:
فبَعْدهَ وإلى ذا اليوم لو رَكَضَتْ ... بالخيل في لَهَواَت الطفل ماسَعَلاَ
وله ايضا:
) أراكضُ مُعْوصات القَوْل قسرًا ... فَأقْتُلها وغَيرِيَ في الطِّرَدِ (
أي أنا ذو بديهة، فاذا عورضت في قول الشعر فرغتُ وغيري يعد في تلحينه وتسديته ومعاناته، وليس هناك قتل ولا طراد، وإنما استعارهما وأقتلها: بمعنى أصيها وأملكها كقولهم: قتلتُ الأمر علما. والمُعْوص: الأبى الممتنع.
وله ايضا:
) أنا لاثمى كُنتُ وقت اللوائم ... علمِتُ بما بي بَيْنَ تلك المَعَالمِ (
قوله:) أنا لا ثمى إن (كقوله: أنا مثلك إن فعلت كذا. أي ضرني الله مثل لا ثمى في قلة اللب والجهل بالحب. وقيل اراد: أنا لاثم نفسي أي جعلني الله لاثمًا لها، وهذا أضعف في العربية، إنما تستعمل العرب في مثل ذلك أنا لاثم نفسي هذا مذهب سيبويه. وقد أنشد بعض الكوفييم:
) ندمتُ على ما كان مني عدمتُني (
فعلى هذا يجوز) أنا لاثمى (أي لاثم نفسي.
يقول: إن كنت علمت بحالتي وعقلت أمري بيت تلك المعالم، كقول الأشتر:
بقَّيتُ وَفرِى وانحرفت عن العُلا ... ولقيتُ أضيافي بوجه عَبُوسِ
إن لم أشُن على ابن حرب غارةً ... تعدو ببيض ي الكريهة شُوسٍ
) وَلكِنني مِما شُدهتم متيم ... كسال وقلبي بائح مثل كارتم (
أي ولكني متيم كسالٍ مما شُدهتُ وذهلت. أي قد أفرط ذهولي، حتى كأنى ذهلت عن الهوى، فُعدتُ كالسالي، ومعنى كل ذلك أنه يريد: لم يخلص لي حال ولا يثبت لي حقيقة، وإنما يقول إنه بقي فقيد العقل، ومن فقد عقله لم يثبت له تذكُّر ولا سُلُو، ونحو هذا قوله تعالى في صفة أهل النار:) لا يَموتُ فيها ولا يَحْيى (. وإن شئت قلت: ذهلت عن الشكوى، حتى كأنني سال وذهوله عن الشكوى إما أن يكون عدم حسه بتلاشي جسمه كقوله هو:
وَشَكيتي فقدُ السقام لانهُ ... قد كان لما كان كان لي أعضاءُ
وقلبي بائح مثل كاتم: أي أنه قد ظهر على الحب، فكأن قلبي بائح به وهو مثل كاتم، أي أنه لم يقصد إظهار ذلك. ومعنى كل ذلك نفي القصد لاطوله.
) عن المُقْتَنىِ بَذْلَ التلادِ تلادهُ ... وَمُجْتَنبِ البُخل اجتِنَابَ المحارمِ (
أي يقتني ذل التلاد مكان تلاده، فأعقبه ذلك ذكرًا في البذل، فكأنه قال: عن المقتنى الذكر الجميل، ببذل التلاد مكان تلاده. الذي كان اقتناه، لما في تلاده من البقاء في الذكر الجميل المقتنى مكانه من البقاء.
1 / 36