مشايخ: جمع مشيخة، حكيناه عن أبى زيد، وقد يجوز أن يكون جمع مشيوخاء، الذي هو اسم لجمع شيخ فكان ينبغي على هذا) مشايخ (لكنه اضطر فحذف، كقوله: والبكرات الفُسج العطامسا فشبههم بالمرد، لأنهم التثموا حتى لم تظهر لحاهم، كما لم يظهر للمرد لحى. ولو اتزن له لكان أحسن أن يقول: كأنهم من شدة ما التثموا، لأن كيفية الالتثام حجبت لحاهم، بإحامهم إياها. والشدة كيفية، والطول كمية فالكيفية أولى بما ذهب إليه.
وإن قلت انهم أطالوا الالتثام حتى حُسيُوا مُرًْا كان له وجه.
) تَلَجُّ دُمُوعي بالجُفونِ كأنما ... جُفُونِيِ لِعَيْني كُلِّ باكيةٍ خذَُ (
أي أن جفوني مساربُ للدمع لا يخلو منها، حتى كأنها خذٌ لكل باكية.
فالدمع يلازمها كما يلازم خد الباكية.
وإن شئت قلت: ذهب في ذلك إلى غزر الدمع. أي أن جفون دموعي مُجتمع الدموع، حتى كأنها خد لعيني كل باكية.
) سَرَى السِّيفُ مما تَطبع الهندُ صَاحِبيِ ... السيفِ مشما يَطْبَعُ اللهُ لا الهِند (
صاحبي: نعت للسيف. ولا يكون على حد قولك) ضاربي (المنقولة من قولك: زيد ضارب عمرًا؛ لانه لا يقال: زيد صاحبٌ عمرا، وذلك أن هذه الصفة جُردت من معنى الفعل، فلم يعدوها من المصادر، وقولهم:) لله درُّك (فدرك: مصدر وقد أجمده حتى قال سيبويه: هو بمنزلة قولهم:) له بلادك (وقوله:) مما تطبع الهند (، يعني السيف الذي عنصر الحديد، وهو الذي يطبعُ الهند. والسيف الثاني: هو الممدوح، وهو الذي يطبعُه الله لا الهند، لأن الهند لا تخلُق وإنما الخالق الله وحده:
) يَكادُ يُصيبُ الشيءَ من قَبْلِ رمْيه ... وَيُمكنُه في سَهْمِه المُرْسلِ الردُّ (
يصفه بالقوة في الرماية، والعلم بها، فيقول: يصرف سهمه كيف شاء، حتى لو اراد رده بعد إرساله مثلًا، أمكنه ذلك. و) يمكنه (: يجوز أن يكونمعطوفا على) يصُيب (. فيكونان جميعا داخلين تحت) يكاد (ز ويجوز أن يكون من الفعل الذي هو خبر) يكاد (فيكون ذلك أبلغ. وكلتا القضيتين داخلة في الامتناع، لا يجوز أن يصيب شيئًا قبل رميه له. ولا أن يقارب ذلك وكذلك القول في القضية الثانية. والهاء في) رميه (يجوز أن تكون ضميرًا لشيء فيكون مجرورًا في موضع نصب. كأنه قال: من رميه هو. ويجوز أن يكون ضمير لفاعل، والمفعول على هذا محذوف، أي من قبل رميه إياه.
وله ايضا:
) حَوْلىِ بكُلِّ مَكِانٍ مِنهُمُ خِلقٌ ... تُخطى إذا جِئْتَ في اسْتِفْهامها بِمَنِ (
أي انهم لا يعقلون و) مَنْ (إنما يستفهم بها عمن يعقل، فإذا استفهمت عن هؤلاء بمن فأنت مخطئ، اذ لاحظ لهم فيها وإنما حظُّهم) ما (التي هي لما لا يعقل، وأن شئت قلت: إنهم وإن كانت صُورهم صُور الناس، فهم بهائم، لجهلهم، وأنما تُعامل الأنواع بطبائعها لا بأشكالها، وذلك أخذت الحكماء في حدودها طبائعها دون صورها، حتى إن بعضهم قال استضعافا للحد المأخوذ من الصورة:) فإنه لا يُستنكر أن يكون إنسان على شكل سمكة، كما لا يستنكر أن تكون سمكة على شكل إنسان (. واراد) تُخطئ (، فأبدل إبدالا صحيحًا للضروة، كما أنشد سيبويه:) فارعى فزارةُ لا هناك المرتعُ (ولو خفف تخطى قياسيا بين بين، لانكَسَر البيت، لأن الهمزة المخففة بَيْن بين عند سيبويه بُرمتها مخففَّة.
) ومُدْقعينَ بُسْبُروتٍ صَحِبْتُهمُ ... عارين من حُللٍ كَاسِينَ من دَرَن (
أي ورب فقراء بأرض قفر صحبتهم وبُليت بهم) عارين من حلل (: أي هم اللصوص لا يتسربلون،) كاسين من دَرَن (: يصف شعثهم وقشفهم. وإنما يُعدد ما مُنى به وبلى، من مكاره الأيام، وصحبة من لم يكن أهلا للصحبة.
) كم مخلصٍ وعلا في خوض مهلكةٍ ... وَقَتْلةٍ قُرنت بالذم في الجُبُن (
أي: كم إنسان أقدم، فسلم وعلا مع إقدامه، ولم يضره اقتحامه الهلكه، وآخر جُبن، فقُتل مع جُبنه، ومات مع ذلك، مذمومًا على نكوله ملومًا. قوله:) في الجُبُن (متعلق بقتلةٍ، كأنه قال: وقتلة في الجُبن قُرنت بالدم، كما أن قوله) في خوض مهلكة (مُتعلقة بمخلص وعُلا.
) مدحتُ قومًا وإن عشنا نظمت لهمُ ... قصائدا من جياد الخيل والحُصنِ (
1 / 34