أي إذا اضظرات إلى ناقص فتفضل عليك فشكرته فقد حصل الفضل لذلك الناقص فمن الحق أن تتحامى رجاء الناقص، لئلايتيح لك فضلا منه عليك، فيكون الفضل له. وقال:) الفضل فيمن له الشكر (أي: الفضل للشاكر لا للمشكور، لانه يُشرف هذا الناقص بشكره، أو بنفعه به.
) وَغثٍ ظَنَنا تَحْتَهُ أن عامِرًا ... عَلاَ لَم يُمت أو في السحابِ له قبرُ (
عامر: جد هذا الممدوح. يصف سحابا بكثرة الماء، حتى كأن عامرًا علا إلى الفلك فأمطر الناس جوده، أو دفن في السحاب، فهو يجود بالماء وإن كان فيها ميتًا.
وقوله:) لم يمت (بدل من قوله:) عَلاَ (. وقد يجوز أن يكون حالًا من الضمير الذي في علا أي غير ميتٍ.
) أو ابنَ ابنهِ الباقي على بن أحمدً ... يجودُ به لو لَمْ أجُز ويدي صِفْرُ (
أي لولا أني جُزت به خالي اليد منه، لما شككت أن أحدهما هناك ويدي صفرُ: جملة في موضع حال.
) إليك طَعَنا في مَدَى كل صَفْصَفٍ ... بكلِّ واة كُلُّ ما لَقِيتْ بحرُ (
أي قطعنا غليك الأراضي البعيدة بكل ناقة خفيفة مُوثقة، تفعل في الارض البعيدة ما تقعل الطعنة في النحر. ومعناه أنها تتوغل الطعنة في الصدر، وتبلغ الغاية، كما تبلغ الطعنه إذا وصلت إلى القلب.
) إذا وَرِمَت من لسعةٍ مَرِحَت لها ... كأن نوالا صر في جِلْدِها النِّبرُ (
النبر: دُويبة تلسع الإبل، فتحبطُ مواضعُ لسعها وترم، يقول: إذا لسعها النبر لم تألمْه، لا عتيادها إياه، وطيب نفسها، وفرحت له، حتى كأن تلك اللسعة التي أورمت جلدها، صرت فيها نوالًا لها، فهي تفرح لذلك كما يفرح المُعطى بالعطية.
وقوله:) كأن نوالا (: يجوز أن يكون نوالًا منصوبًا بكأن، والجملة التي هي) صر في جلدها النبر (: خبر كأن. وفيه ضعف لأن اسم) إن (نكرة غير مؤيدة بالصفة. وخير منه عندي أن يكون في) كأن (الأمر أو الحديث، ونوالًا: مفعول لصر. فقوله:) نوالًا صر في جلدها النبر (: تفسير للمضمر الذي في) كأن (.
) فَجِئناك دُون الشمسِ والبدرِ في النوى ... ودُوَنك في أحْوالِك الشمسُ والبدرُ (
قوله:) دون الشمس والبدر في النوى (حال أي جئناك وأنت أقرب إلينا من الشمس والبدر، وهما دونك في المجد وشرف القدر.
) لِساني وَعينِي والفُؤادُ وِهمتي ... أودُّ اللواتي ذا اسْمُها منك والشطرُ (
الاود: الاحباء، واحدهم وَُد. فيقول: هذه الأعضاء مني تُحبُّ ما قابلها من أعضائك التي أسماؤها هذه.
وقوله:) والشطر (: أي كأن هذه الاعضاء مني شقيقة سيمتها منك، حتى كأنهما اقتسمنا جزءًا من العنصر الذي منه كونها. وإذا كان هذا في الاعضاء، فكان لساني موافقًا للسانك، يقول ما تقول، وعيني مطابقة لعينك تستحسن ما تستحسن، وفؤادي ملائم لفؤادك، يهوى ما يهواه، وهذه عُمدة أعضاء الانسان فالجملتان شقيقتان. فنحن إذن شقيقان.
وأما قوله: وهمي، فزيادة، لأن الفؤاد محل الهمة، فهو يغنى عنها.
وله ايضا:
) أقَلُّ فَعَإلى بَلهَ أكثرهُ مَجْدُ ... وذا الجدُّ فيه نلْتُ أم لم أنلْ جَدُّ (
بله: يُنصبُ بها ويجر، النصب على أنه اسم للفعل كرُويد. والجر على أنه مصدر، وإن لم يكن له فعل، فقد وجدنا مصدرًا دون فعل، كويل وأخواتها. أي أقل فعإلى شرفٌ. دع أكثره، كقول القائل فكيف أكثره. وهنا إفراط في القول، لانه ليس فوق الشرف منزلة، فيكون أكثر فعله أعلى من الشرف. إلا أن الشرف يتفاضل في ذاته. فإذا كان أقل فعاله شرفًا، فأكثره شرفٌ أعلى من ذلك.
وقوله:) وذا الجِدُّ فيه نلتُ أم لم أنل جَدُّ (. الهاء عائدة إلى الجد، أي ود الجدُّ في طلبه جدٌّ.
الجِدُّ: الاجتهاد والتشمير. والجَدُّ: البَخت. ويقول: جِدي في الامور بخت. وإن لم أنل به بختا، لأن الجِد معدود في السعاة، لكونه من الفضائل النفسانية، التي يبعث عليها الأنفه والشهامة، كما أن التواني يُعد في الشقاوة لكونه من الرذائل التي يبعث عليها العجز والسآمة، يقول: فأنا إن لم أنل بسعي حظًا نلت به عند نفسي وغيري عذرًا أحصل به على راحة نفسي، لا يلحقني كلام من أحد: كقوله:) ومُبْلِغُ نَفْسٍ عُذرَهَا مثلُ مُنْجِحِ (؟
) سأطلبُ حَقي القنا ومَشَايخٍ ... كأنهُم من طول ما التَثَمُوا مُردُ (
1 / 33