ولما تحقق المترجم انسلاخ وظيفة المشيخة عنه سافر إلى الآستانة غرة رمضان سنة (1318) لطلب معاش يكون عوضا عما فاته، فاستحصل معاشا قدره ثلاثمائة قرش، فصدرت الإرادة السلطانية بذلك، إلا أنه وقع في الأمر العالي تلقيب المترجم بحفيد الشيخ خالد، فكتبت جريدة المعلومات صورة صدور الأمر العالي للمترجم حفيد الشيخ خالد، فخشي المترجم أن يرمى لدى الناس بأنه ما توصل لهذا المعاش إلا بهذا الإفتراء ودعوى أنه حفيد الشيخ خالد، فكتب المترجم كتابا إلى صديقنا الكاتب البارع أديب بك نظمي محرر «جريدة الشام» يقول له: أرجو منكم إصلاح الغلط الذي وقع في جريدة المعلومات من تلقيبنا بحفيد الشيخ خالد، وأن تنبهوا عليه لكي يعلم، فأشهره صديقنا في جريدته تحت عنوان إصلاح غلط، ثم لما وصل الأمر إلى ناظر المالية توقف عن إمضائه واعتذر بأن الأمر إنما هو لحفيد الشيخ خالد والمترجم ليس بحفيده، فجد هناك واجتهد في تمضيته بدعوى أن الأتراك ربما لقبوا ولد الصهر حفيدا. ولما كان والده تزوج إحدى بنات الشيخ خالد وتوفيت عنده فصلح أن يسمى حفيدا للشيخ خالد لأنه ابن صهره، فطلب حينئذ ناظر المالية بشهادة على حقية أن والده كان صهر الشيخ خالد فقدم مضبطة شهد له فيها بعض الشاميين هناك، فمشى حينئذ ناظر المالية الأمر وأعطي براءة المعاش، فلم يكد يتم فرحه مما نال حتى دعاه الداعي فيها فلباه وورد خبر وفاته في أواخر جمادى الثانية سنة (1319) وأنه مرض بالحمى نحو أسبوع وصلي عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي وجامع السنانية، وكان لمنعاه رنة أسف لما جبل عليه من اللطف والإيناس ورقة الحاشية وشهرة الأدب، ولا غرو أن بكته عيون المعارف، فقد كان زهرة الأدباء وريحانة الألباء، وكان قد جمع منظوماته في ديوان سماه «جهد المقل» ولما أراد انتخابه دعاني لداره وشاورني في ترتيبه وما يثبته وما ينفيه، فنظرا لوحدة الحال بيننا أشرت عليه، فوافقني في البعض وعزم على ذلك، وجمعه ثانية وسماه «وجه الحل من جهد المقل» وجمع المترجم كتابا في طبقات مشاهير النقشبندية، وختمها بترجمة جده وأبيه وسماه «الحدائق الوردية في حقائق أجلاء النقشبندية» وكان هذا الاسم تاريخ العام الذي به كمل تأليفه سنة (1306) ثم أهداه المترجم إلى طلعة باشا أحد كبراء مصر، وكتب له على عنوان الكتاب:
حدائق الورد في الأكمام دانية ... قطوفها من جنان الشام للجاني
أكف أوراقها نحو السما بسطت ... تدعو لأول ممدوح بلا ثاني
ذو الفضل أحمد باشا طلعت الوزرا ... لا زال مظهر معروف وعرفان
Shafi 70