فنال من باب المشيخة ابنه نيابة في بعض القرى، ونال المترجم بواسطة من ذكرنا رتبة أزمير المجردة، ثم عاد إلى دمشق بعد تغيبه عنها نحو عام، ثم لم يلبث أن توفي والده شيخنا، فتصدر في مكانه في مشيخة الطريقة النقشبندية بجامع السويقة، وفي قراءة درس البخاري، فدعا المترجم لحضور أول يوم من درسه مفتي الحنفية بالشام صالح أفندي قطنا، وكثيرا من الفضلاء، وشرع في إكمال «البخاري» من الموضع الذي وقف عنده والده، وأذن المترجم لأخيه الصغير بعد وفاة أبيه أن يذهب للآستانة لتحصيل معاشه الأخير، فسافر فما نجح، وكان وجه ذلك المعاش لغيره وبقي معاش مشيخة السويقة، فقدم المترجم لجانب الولاية مضبطة بطلبه وتوجيه المشيخة فوجهها عليه القاضي، وصدق عليها مجلس الإدارة، وأرسلت أوراقه إلى الآستانة، فلم يفجأه وهو في هذا الاهتمام إلا وعمه الشيخ أحمد الخاني ينازعه المشيخة المذكورة وكان نائبا في بني صعب، فقدم دمشق وذهب إلى الوالي وقال له: أنا أسن منه، وابن صاحب الوظيفة الأصلية، وأرشد منه، ويشهد لي ملأ من المريدين وغيرهم، فقال له الوالي: لقد تأخرت، ولو جئت قبل معاملتها لكان لنا معك نظر أما الآن فإن الأوراق في الآستانة فاتبعها هناك، فأرسل عمه أكبر أولاده الشيخ ياسين فتتبعها هناك، وروجع قيود البراءة الأولى من نظارة الأوقاف فوجد أنها تقضي بتوجيه الوظيفة للأقرب فالأقرب من صاحبها الأول، فأعيدت أوراقه للشام لتجري عليها المعاملة، وقام في الدفاع عن المترجم مفتي الحنفية بدمشق صالح أفندي قطنا، لكون المفتي أخا صهر المترجم على شقيقته وصاحب والده، وحصل اختباط بين المترجم وعمه شديد، وكان يذهب المترجم إلى جامع السويقة مباكرا فيقيم الختم فيأتي عمه للميعاد ليقيمه فيجد المريدين منفضين، وكاد يحصل بينهما ما لا يحمد، ثم إن عمه اعتراه مرض في إحدى عينيه فقوي عليه بعد ذلك ولم يزل يشتد معه، وانقلب عليه بمرض آخر حتى توفي إلى رحمة الله تعالى في ذي الحجة سنة (1317) بدمشق ودفن بتربة الشيخ خالد قدس سره، فظن المترجم أن الأمر صفا له والمشيخة تمت له، فلم يفجأه إلا وعمه الشيخ عبد الله ينازعه المشيخة، وكان حرشه على طلبها الشيخ أسعد الصاحب لعداوة بينه وبين المترجم، سنأتي عليها، وللشيخ أسعد وقتئذ تداخل كبير وتردد وفير على والي الشام فما دونه، وكان لا يتأمل من عمه المذكور هذا الطلب أصلا، كما أنه ليس من خلفاء أبيه في الطريقة على قاعدتهم خصوصا مع صغر سن عمه ومزية المترجم. نعم لعمه السابق التقدم بالسن والقبول لدى المريدين، والمحبة له أكثر منه المترجم، وكان الذي قوى عمه الشيخ عبد الله على ذلك الشيخ أسعد المذكور، وساعده على مضبطة جددها له، فختمها بعض الوجهاء والعلماء، في لياقته واستقامته، وعارضه المترجم بمضبطة أخرى فما نجحت. وروعي في هذه الوظيفة شرط التوجيه الأصلي، فاعترض المترجم بعدم لياقة عمه المذكور وأنه ليس من الخلفاء، فأعانه الشيخ أسعد وأعطاه صك الخلافة منه وأنه خليفة له، ورد أمره إلى الامتحان عند القاضي، فامتحن في بعض شؤون الطريق وبعض مسائل من الفقه فأجاب عنها، فصدق له باللياقة، ووجه القاضي المشيخة عليه وصدق عليها مجلس الولاية، وأرسلت إلى الآستانة، وخرجت البراءة السلطانية عليها.
Shafi 69