ولد في صفر (1263) بدمشق ونشأ في حجر جده الجليل، وبعد أن مهر في القراءة والكتابة حضر بعض دروس جده من نحو وفقه وحديث، ولقنه ذكر السادة النقشبندية، ولما ترعرع قرأ على العلامة الشيخ محمد الطنطاوي، وسمع منه بحضور الأمير عبد القادر الجزائري ثم الدمشقي أكثر «الفتوحات المكية» وذلك في دار الأمير المنوه به، كما سمع من الأمير المشار إليه أكثر «صحيح البخاري» في مدرسة دار الحديث بدمشق، وحضر عند والده شيخنا أكثر كتب الحديث الستة، وأقرأ في حياة أبيه في داره طرفا من فن العربية، وكذلك في حجرة له في جامع المرادية المعروف بالسويقة طرفا من الفقه وغيره. وكان يخطب به ويؤم به في التراويح. وعنه في إمامة بقية الأوقات وكيل، وانفرد بفن الأدب، وأخذ الشهرة الوحيدة فيه، وكان إذا سمع بيتا بليغا أو نثرا فائقا يتمايل طربا ويهتز ذوقا ويغلب على لفظه حينئذ كلمة مدهش، حتى إنه لكثرة ما كان يستعملها صار يتوهم أنه له كتابا اسمه «المدهش» وكان له في عنفوان الشباب مع سيدي الوالد قدس سره المودة الفريدة. وكان يحيي معه الليالي الطويلة إلى الصباح، ويتجاذبان أطراف اللطائف الأدبية، وكنت آنس كثيرا بزيارته لنا، وكان كلما نظم قصيدة عرضها على سيدي الوالد وأسمعه إياها. ويتحاوران في أثناء ذلك ويتناقشان ألطف محاورة ومناقشة. وكان إذا ابتهج بقصيدة يسبق لسانه إلى الدعاء على نظمها يدل الدعاء له غيرة أدبية وذائقة عربية، وراجت صناعته أيام الأمير عبد القادر 1 فعمل له المقامات وامتدحه بالقصائد العاليات، وكان الأمير يجيزه الجوائز الوافرات، وبسببه أقبل على الأدب كليا وعشق مطالعة «ريحانة الألبا» و«نفخ الطيب» وقال لي مرة: كنت أنام على «نفح الطيب» وصاحب الأدباء، وعاشرهم وراسل النائين منهم، وانعقدت الصحبة مراسلة بينه وبين الفاضل الكبير عبد الله فكري باشا المصري، ولما رحل إلى دمشق الباشا المذكور حل ضيفا في دار أبي المترجم، وعمل الباشا «رحلة» ونوه بالمترجم في طليعة «رحلته» وكان يكاتب الأدباء المشتهرين في البلاد. ولما وفد الشيخ محمد الكاملي المغربي، الأديب الشهير، صاحبه المترجم، و[كان] يتردد إليه كثيرا، إذ كان نزيل الأمير المنوه به، والجميع دائما في ظله، وسافر سنة (1293) إلى الآستانة، ولم يطل المقام بها. وكان يخالط الولاة والكبراء ورؤساء المجالس ويمدح الأعيان تحببا وتوددا. ولما قدم لدمشق توفيق أفندي قاضيا أحب والد المترجم وتردد إليه كثيرا لأنه كان يظهر أنه نقشبندي، فجعل القاضي المذكور المترجم نائبا في محكمة الميدان، وبعد فصل القاضي المذكور عن دمشق استقال المترجم من نيابة المحكمة المذكورة، وكان عائشا 1 هو وعائلته في كنف والده، ويقوم بإدارة شؤون والده ومهماته، وفي سنة (1314) ذهب إلى الآستانة وسعى بواسطة بعض مقدميها بمرتب شهري لوالده قدره ثلاثمائة قرش يسمى معاش قيد حياة، زيادة على معاش مشيخة النقشبندية في السويقة، وهو نحو ألف قرش. وكان أخذ مضبطة من دمشق وصدق عليها وجهاء الشام بحاجته لذلك، فوجه إلى والده المعاش المذكور، وسعى أيضا هناك لأحد أولاده بالقضاء فرد ابنه إلى الشام ليجري امتحانه بها، فحضرها ابنه وأخذ شهادة الامتحان من المحكمة بإعانة صديقهم نائب المحكمة صالح أفندي قطنا، وعاد إلى الآستانة وأبوه المترجم ينتظره.
Shafi 67