فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - إنه جرى ( 4 ) أيضا في هذا الفصل أيضا من البرد والغثاثة على مثل ما جرى عليه قبل هذا . ويقال لهم : هل اتفقوا - [ اعني ] الصحابة والتابعين والسلف الماضين - على كل شيء من مسائل الدين حتى لم يختلفوا ، أو اختلفوا فان هم ( 5 ) قالوا : لم يختلفوا في كل مسألة ، ظهر كذبهم على جميعهم وصاروا في نصاب من يرجم لعظم ما تقحم [ 174 / أ ] فيه . وإن قالوا : اختلفوا في كثير من المسائل ، قيل لهم : صدقتم ، فأما ما اجتمعوا عليه فنحن الذين اتبعوا إجماعهم ، ولله الحمد كثيرا ، وإنما خالف إجماعهم من دعا إلى تقليد إنسان بعينه ، كما فعل هؤلاء في تقليدهم مالكا دون غيره ، ولم يكن قط في الصحابة ، ولا في التابعين ، ولا في القرن الثالث واحد فما فوقه فعل هذا الفعل ، ولا أباحه لفاعل ، فهم المخالفون حقا للإجماع حقا في هذا وفي مسائل ( 1 ) أخر قد أوضحناها في كتبنا . وأما ما اختلفت فيه الصحابة ، رشي الله عنهم ، فليس قول بعضهم أولى من قول بعض ، ولا يحل تحكيم إنسان ممن دونهم في الاختيار في قولهم ، ولا يجوز في ذلك إلا ما أمر الله تعالى به ، إذ يقول : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ( النساء : 95 ) ، فمن رد الاختلاف إلى اختيار مالك ( 2 ) وأبي حنيفة والشافعي أو إنسان بعينه ، فقد خالف القرآن والإجماع المتقدم من الصحابة والتابعين ، وهو الإجماع الصحيح . وأما قولهم : إن الصحابة والتابعين بحثوا عنه ووقفوا على حقيقة أوجبت تركه ، فهذه صفة معدومة فيما لم يصح نسخه ، ولا سبيل إلى وجوبها إلا فيما تيقن نسخه كالقبلة إلى بيت المقدس ، وما أشبه ذلك . وأما ما اختلفوا ، فحاشا لله أن يكون إجماعا فيما قد صح فيه الخلاف . وأما الطامة فقولهم : ' فسكتوا عنه للمعرفة الثابتة التي وردتهم ' ، فهذه عظيمة نعوذ بالله من أن يظن مثلها بالصحابة ، رضي الله عنه ، من أن سكتوا عن تبليغ ناسخ صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن فعل هذا فقد وجبت عليه اللعنة وحقت ، قال الله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك [ 174 ظ ] أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } ( البقرة : 159 - 160 ) ، فكيف يحل لمن يدري ما الإسلام أن يظن أن الصحابة والتابعين اتفقوا على السكوت عن ذكر حديث ناسخ لعمل شرعي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ما لا يظنه بهم إلا الروافض الملعونون ، ونعوذ بالله من الخذلان . وأما قولهم : ' وإنهم في غير الثقة والقبول غير متهمين ' ، صحيح ، وهو قولنا لا قولهم ؛ لأنا نحن الذين ندين لله تعالى بكل ما أسنده لنا الثقة عن الثقة حتى يبلغ إليهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لا ما صح نسخه وعلم ( 3 ) ناسخه ، أو ثبت تخصيصه ونقل ما خصه ؛ ونحن الذين قبلنا منهم حقا ، وإنما ترك توقيفهم ( 1 ) ورفض القبول منهم واتهمهم من اطرح جميع أقوالهم ، ولم يلتف إليها ، ولا اشتغل إلا قول مالك وحده ، وحكم عليهم رأي مالك واختياره ، فهذا هو المتهم لهم حقا ، لا من لم يخالف إجماعهم ولا حكم في اختلافهم أحدا ( 2 ) غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلأي أقوالهم حكم النبي صلى الله عليه وسلم قال به ، والحمد لله رب العالمين
5 - ثم قالوا : ' فوجب لهذا الطالب المجتهد الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم والأخذ بسيرتهم إذ عنهم أخذ دينهم ، وهم الناقلون إليه شريعته نقل كافة عن كافة ، ونقل واحد عن كافة ، ونقل كافة عن واحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكرم ' .
Shafi 78