فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - إن قولهم : وجب لهذا الطالب المجتهد الاقتداء بهم ، وسلوك طريقتهم ، والأخذ بسيرتهم فصحيح إن فعلوه ، وحق إن عملوا به ، ونحن نسألهم ونناشدهم الله ما الذي يدينون به ربهم تعالى : أهو ما ( 3 ) وردهم عن الصحابة والتابعين ، أو ما وجدوا في المدونة من رواية ابن القاسم عن مالك فغن قالوا : بما جاءنا عن الصحابة ، كذبوا كذبا يستحقون به المقت من الله تعالى ، ومن [ 175 / أ ] كل من سمعهم . فإن قالوا : بل بما جاءنا من رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة ، فليعلموا أنهم لم يقتدوا بالصحابة والتابعين والسلف المرضيين ، ولا سلكوا طريقهم ، ولا أخذوا بسيرتهم . وإن قالوا : إن مالكا ( 4 ) لم يخالف طريقة الصحابة والتابعين ، قيل لهم : ما مالك بهذا أولى ممن خالفه كسفيان الثوري والليث والأوزاعي وأحمد بن حنبل ، وغيرهم ، ومن ادعى على هؤلاء وغيرهم أنهم ( 5 ) كلهم خالفوا الصحابة والتابعين ، حاشا مالكا وحده ، قالوا الكذب والباطل ، ولم ينفكوا ممن عكس عليهم هذه الدعوى الكاذبة فنسب إلى مالك ما نسبوه هم إلى غير مالك ، وحاشا لله من هذا ، بل كل امرئ منهم مجتهد لنفسه يصيب ويخطئ ، وواجب عرض أقوالهم على القرآن والسنة ، فلأيها شهد القرآن والسنة أخذ بقوله وترك ما عداه . وقد بينا ان سيرة الصحابة والتابعين وطريقهم هي الاجتهاد ، وطلب سنن النبي صلى الله عليه ولسم ولا مزيد ، وترك تقليد ( 1 ) إنسان بعينه . فهم قد خالفوا جميع سيرة الصحابة والتابعين ، وخالفوا طريقهم ، ولم يقتدوا بهم ، ونحن مقتدون بهم حقا ، والحمد لله رب العالمين . وأما قولهم : ' فعنهم أخذ دينه ' ، فلو اتقوا الله تعالى ولم يكذبوا كان أسلم لهم في الدنيا والآخرة ، ولو رجعوا إلى أنفسهم فنظروا هل رووا ما يدينون به عن الصحابة والتابعين أو لم يشتغلوا قط بشيء من ذلك فأن كان عندهم الصحابة والتابعون ( 2 ) إنما هم مالك وحده ، فهذه حماقة ( 3 ) لا يرضاها لنفسه ذو مسكة . وأما قولهم : ' وهم المبلغون والناقلون إليه شريعته نقل كافة عن كافة ( 4 ) ونقل واحد عن كافة ، ونقل كافة عن واحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ' ، فهذه والله طريقتنا لا طريقتهم ، وسبيلنا لا سبيلهم ، هذا أمر لا يستطيعون إنكاره ؛ لأنهم لا يشتغلون بحديث أصلا ، ولا بأثر ، إنما هو قول مالك وابن [ 175 ب ] القاسم ، وهذا رأي ، ولا مزيد إلا في الندرة فيما لا يعرفون صحته من سقمه ، وفيما يأخذون بعضه ، ويخالفون بعضه تظارفا ( 5 ) ولا مزيد ، ونسأل الله التوفيق
6 - ثم قالوا : ' ففي الخروج عن الثقات وعن الجماعة إلى رأي واحد إن كان ذلك الواحد من جملة الجماعة لا مزية له عليه ، فهو والله شذوذ ، وخطأ لا يحل ' ، وهذه صفتهم في خروجهم عن أقوال جميع الصحابة والتابعين ، وسائر الفقهاء لهم إلى رأي مالك وحده ، إن كان ذلك الواحد هو الذي أجازه الله تعالى برسالته ، واستصفاه لوحيه وعصمه ، وافترض طاعته على الجن والأنس ، فقد وفق ( 6 ) من خالف بأهل الأرض كلهم له ، فكيف وجميع ( 7 ) الصحابة والتابعين مجموعون على وجوب ترك قول كل قائل لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه طريقتنا ، والحمد لله رب العالمين كثيرا . فانظروا الآن من الزائر منا ومنهم ، ومن الشاذ نحن أم هم وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل .
Shafi 79