فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - قد كذبوا علينا في دعواهم أنا استحسنا قول ابن عمر في هذا ، وأنا جعلنا قوله حجة ، ومعاذ الله من ذلك ، ومن أن يكون قول أحد غيره ( 2 ) حجة بعد رسول الله صلى [ 194 ب ] الله عليه وسلم . وما جعلنا الحجة في ذلك إلا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عمر بن الخطاب وأم المؤمنين عائشة ( 3 ) وابن عباس رضي الله عنهم : من أن صلاة السفر ركعتان ( 4 ) ، ولم يخص الله تعالى سفرا من سفر ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، { وما كان ربك نسيا } ( مريم : 64 ) ولم نجد أحدا يقصر في أقل من ميل ، ووجدنا عمر بن الخطاب وغيره يقصرون في هذا القدر ، فقلنا باتباع السنة في ذلك لا باتباع ابن عمر في ذلك . ولكن بهذا أنكروا على أنفسهم تقليد ابن عمر من بين الصحابة في المنع من المسح على العمامة ، وقد خالفه في ذلك جمهور الصحابة ، هنالك كان فعل ابن عمر حجة ، وهذا هو الضلال بعينه والتخليط والتحكيم في الدين بالرأي الفاسد . وكذلك تقليدهم مالكا في أن لا قصر في أقل من ثمانية وأربعين ميلا بغير أن يعضد قوله هذا قرآن ، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ، ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا نظر ، ولا احتياط ، ولا رأي يصح ، بل خذلهم مالك في هذه المسألة بعينها ، فروى عنه أشهب أن القصر جائز في أربعين ميلا ، وروى عنه ابن الماجشون في ' المبسوط ' ( 1 ) لإسماعيل أن القصر جائز في أربعين ميلا ، وروى عنه إسماعيل بن أبي أويس ابن عمه وابن اخته ( 2 ) أن القصر جائز في ستة وثلاثين ميلا ، وأنه بلغه ذلك عن ابن عباس وابن عمر ، فقد أسلمهم صاحبهم في هذه المسألة وتبرأ من تقليدهم ، وبالله تعالى التوفيق . وما علم قط ذو حس سليم فرقا بين ثمانية وأربعين ميلا وبين سبعة وأربعين ميلا ولا بين ستة وثلاثين ميلا وخمسة وثلاثين ميلا وأربعين ميلا ، وكل هذا لا معنى له ، ولا يتشاغل به ناصح لنفسه أصلا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
35 - ثم قالوا : ' وقلت في الحد على قاذف الصبية دون البلوغ : إنما لزمه الحد للكذب وغيرها عندي [ 195 / أ ] سواء ' .
Shafi 115