29 - ثم قالوا : ' وإنك مرة تتأسى بفعل النبي [ 190 ب ] صلى الله عليه وسلم ، ومرة تتخلف عنه ، كتنفلك في العيدين في المصلى ، ولم يرد بذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تنفل ، ولا خالفه أحد من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والعلماء المشاهير في جميع الآفاق ، فكلهم اقتصروا على الائتساء به في ذلك ، وخالفتهم أنت لولوعك بالاحتجاج ، وليرفع الناس رءوسهم إليك . ولو سلكت طريقة من مضى لكان أجمل لك وأولى ' . فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - هذا كلام جمعوا فيه الكذب والجهل المظلم ، واستحقوا به المقت من الله تعالى . فأما الكذب والجهل ، فجسرهم على دعوى الإجماع من الصحابة والتابعين المشاهير في جميع الآفاق على ترك التنفل في المصلى قبل صلاة العيدين ، فلو كان لهم مسكة عقل لم يقدموا على مثل هذا ، وهذا أيوب السختياني وقتادة صاحبا أنس بن مالك ، يذكران أن أنس بن مالك وأبا هريرة كانا يتنفلان في المصلى قبل صلاة العيدين ، وذكر أيوب انه رأى ذلك من أنس بعينه ، ولا يصح عن أحد من الصحابة النهي عن ذلك إلا عن ابن مسعود وحذيفة ، وبرواية ( 2 ) ساقطة منقطعة . وصح عن ابن عمر أنه كان لا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد ، فقيل له : فمن تنفل في المصلى فقال كلاما معناه : لا يضيع له ذلك عند الله تعالى . وجاء عن على بن أبي طالب انه خرج إلى المصلى ، فرأى الناس يتنفلون ، فقيل له : ألا تنهاهم يا أمير المؤمنين فقال : ما كنت بالذي ينهى عبدا إذا صلى . ومن التابعين ممن تنفل في المصلى قبل صلاة العيدين : الحسن البصري وجابر بن زيد وغيرهما . ومن الفقهاء : الشافعي وغيره . قال : حدثنا أحمد بن محمد الخولاني ( 1 ) إجازة ، حدثنا الطلمنكي ( 2 ) إجازة قال : حدثنا ابن عون [ الله ] ( 3 ) قال حدثنا ابن الأعرابي ( 4 ) قال : حدثنا سعدان بن نصر بن منصور المخرمي ( 5 ) قال حدثنا معاذ بن معاذ [ 191 / أ ] العنبري ، حدثنا سليمان التميمي ، عن عبد الله الداناج ( 6 ) قال : رأينا أبا بردة يصلي يوم العيد قبل الإمام . وبه إلى سليمان قال : رأيت أنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن ( 7 ) ، وسعيد بن أبي الحسن ، وجابر بن زيد يصلون قبل الإمام في العيد . فلو سكت هؤلاء الحمير عما لا يحسنون لكان أستر لعوارهم ( 8 ) وأخفى لعارهم . فإن قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم [ لم ] يتنفل قبل الصلاة بالمصلى ، قلنا لهم : صدقتم ، لأنه كان الإمام عليه السلام ، وكان إقباله وتكبريه للصلاة بلا مهلة . وهكذا نقول نحن : من أتى وهو الإمام فليكن إقباله وتكبيره للصلاة معا . وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنفل يوم العيد بالمصلى ، ولو كان مكروها لما أغفله حتى يبينه له غيره بالرأي الفاسد ، بل قد حض عليه السلام على التنفل جملة ، وهذا من التنفل ومن فعل الخير ، والله تعالى يقول : { وافعلوا الخير } ( سورة الحج : 77 ) . لكن لو أنكروا على أنفسهم البدعة المحضة والضلال الذي في أيديهم بالخطبة قبل الصلاة في العيدين ائتساء بمروان إذ يقول ، وقد ذكر له أبو سعيد الخدري السنة في ذلك فقال له مروان : ذهب ما هنالك يا أبا سعيد . وتمادوا على ذلك بعد زوال أمر بني مروان اتباعا للبدعة وثباتا على الضلالة . فهذا كان ينبغي لهم أن ينكروا لا [ تنفل ] من تنفل بما لم ينه عنه . ونسألهم هل صح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هل صام [ أكثر من نصف ] الدهر ، أو صلى أكثر من ثلاث عشرة ( 1 ) ركعة من الليل ، أو أباح أكثر من قيام ثلث الليل فلابد لهم من الإقرار بأنه لم يأت قط عنه عليه السلام إلا ذلك ؛ فمن أين استجازوا أن يستبيحوا خلاف أمره وفعله ، فيبيحوا صوم أكثر من نصف الدهر ، وقيام اكثر من ثلث الليل ، وصلاة أكثر من ثلاث عشرة ركعة ، ولم يفعله قط صلى الله عليه وسلم فإن قالوا : قد جاز لك عن بعض الصحابة . قيل لهم : وقد [ 191 ب ] صح تحريم ذلك عن بعضهم أيضا ، فلم أجزتم الفعل المخالف للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمره ولفعله وأنكرتم علينا فعلا جماعة من الصحابة ، ولم يصح النهي عن أحد منهم ، ولا نهى عنه قط رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا إلا أحموقة منهم وجهل وغباوة وأما قولهم : إننا خالفناهم لولوعنا بالاحتجاج ، فقد أريناهم كذبهم ، وأننا لم نخالفهم ، ولكن أولعنا بالاحتجاج بالقرآن والسنن ، فانه لأفضل من ولوعهم باتباع التقليد وخلاف القرآن والسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإجماع الصحابة والتابعين . أما قولهم : ' ليرفع الناس رءوسهم إلينا ' ، فكذب واضح ، وما أردنا قط الترؤس على أمثالهم ، ولو أردنا ذلك لسلكنا سبيلهم في التقليد ، ولو فعلنا ذلك لما شقوا غبارنا في الرياسة في الدنيا ، هذا ما لا يقدرون على إنكاره ، فما منهم أحد يدعي انه يدانينا - ولله الحمد - في حفظ ما طلبوه ، ليأكلوا به الخبز الخبيث لا الطيب ، من الآراء ، لو ملنا إليها أول ميلة ، ولكن معاذ الله من ذلك ، فما هذه الرياسة عندنا إلا نهاية الخساسة ، وأما الذي نطلب الرياسة عنده ، فهو الملي بقبول رغبتنا في ذلك لا إله إلا هو . وأما قولهم : ' لو سلكت طريقة من مضى لكان أجمل لك ' فنعم ولله الحمد ، نحن السالكون طريقة من مضى من الصحابة والتابعين الذين هم الناس حقا في اتباع القرآن والسنن ، ورفض التقليد والقياس ، وهم الذين خالفوا من مضى في كل ذلك . فلو اتبعوا طريقة من مضى ليلموا في دينهم ، وأما طريق من بعد الصحابة والتابعين من أهل التقليد والقياس ، فيعيذنا الله من اتبع طريقتهم وسلوك منهجهم ، ونسأل الله العافية من الخزي في ميزانهم ، وله الحمد كثيرا [ 192 / أ ] على عصمته من ذلك من جميع البدع المضلة حمدا كما هو أهله
30 - ثم قالوا : ' وإنك رتبت في كتبك خلاف ما رتبه الماضون المتفقون في الأحكام والشرائع في حكم ترتيب الصلوات وإرفاعها وحكم النية والوضوء ، فقلت : إنه [ إن ] توضأ لصلاة بعينها لم يجز له أن يصلي بذلك الوضوء صلاة غيرها ' .
Shafi 110