فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - ان هؤلاء القوم لا يستحيون من الكذب ، ومن هذه صفته فقد كان الإضراب عن مجاوبته أولى ، ولكن عدم العقل ممن هذه صفته يوهمه بجهله ، إن أعرض عن مجاوبته ، ان ذلك عجز عن البيان وإجلال لهم ومهابة منهم ، فرأينا في واجب النصيحة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم وللقرآن وللمسلمين عامة ، مجاوبتهم ، مبينين لجهلهم وكذبهم ، ومزيلين لهذا الظن السوء عن أنفسهم ، وتعريفا لهم بمقاديرهم ، كي يرتدعوا بذلك عن مثل هذا الهوس البارد وشبهه . فأما قولهم : إننا نقول : من توضأ لصلاة بعينها لم يجز له أن يصلي بذلك الوضوء صلاة غير تلك الصلاة ، فهذا قول ما قلناه قط ، ولا نجده لنا ولله الحمد كثيرا في رواية أحد من ثقات أصحابنا عنا ، وكيف وقولنا المشهور والذي لم نختلف فيه قط أن من تيمم لصلاة فرض أو نافلة ، فإن له أن يصلي بذلك التيمم أبدا ما لم ينتقض وضوؤه بحدث من الأحداث ، كالوضوء ولا فرق ، أو ما لم يجد ماء ، لكن لو سألوا أنفسهم في قولهم : إن من تيمم لفرض صلى به بعد الفريضة ما شاء من النوافل ، وإن تيمم لنافلة لم يصل به بعدها فرضا ، لكان أولى بهم ، فغن هذا لا يعقل وجهه ولا يدرى من أين وجب ، ولعل الناسين رأوا لنا مسألة أخرى لم يفهموها ولا أحسنوا تأديتها من أين : إنا نقول من توضأ لصلاة بعينها ونوى أنه لا يرفع الحدث بوضوئه إلا لتلك الصلاة فقط لا لغيرها ، فإنه لم يتوضأ [ 192 ب ] كما أمر ، ولا يصلي بذلك الوضوء لا تلك الصلاة ولا غيرها ، إذ لم يأت بالوضوء الذي أمر الله تعالى به ، فهو غير متطهر . وأما قولهم : إننا رتبنا في كتبنا ( 1 ) خلاف ما رتبه ( 2 ) الماضون المتفقون في الأحكام والشرائع ، فهم الذين فعلوا ذلك ، وقد نبهنا لهم عن مسائل جمة من الطهارة ومن الصلاة خالفوا فيها الصحابة الذين لا يعرف لهم مخالف فيها ، والكتاب حاضر لا يمتنع عليهم رؤيته ، ففي ذلك فلينتظروا إن قدروا ، وهي أربع عشرة ( 3 ) مسألة من الطهارة وخمس وثلاثون مسألة من الصلاة ، من جملتها مسائل خالفوا فيها الإجماع المتيقن ، كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا بالناس ، وغير ذلك كثيرا جدا مما قد بيناه في كتبنا ، وأما خلافنا كتبهم فنعم ، ما نعتذر من ذلك ، وبالله تعالى التوفيق
31 - ثم قالوا : ' إنك ( 4 ) قلت : إن تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها انه لا قضاء عليه فيما قد خرج وقته ' .
فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - أننا هكذا نقول ، وهو الحق الراجح الذي لا يحل خلافه ، ولنا في هذه المسألة كتاب مفرد مشهور . وجملة الأمر أن إعادة الصلاة في غير وقتها إيجاب شرع ، والشرائع لا يوجبها إلا الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى ، لا من سواهما ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبين أوقات الصلوات ، أوائلها وأواخرها ، وأخبر بانقطاع أوقاتها ، ولم يأمر بإعادة ، وما كان ربك نسيا ، ولو أراد تمادي أوقاتها لما عجز عن ذلك ، ولا يجوز ان يكون حكم وعمل في غير وقته ، وما عمل في غير وقته فهو غير العمل الذي أمر الله تعالى به . وهذا قول ابن عمر وابن مسعود وسلمان وغيرهم ، لا يعرف لهم من الصحابة مخالف في ذلك . ومن عجائب الدنيا أن يفرض ( 5 ) الله تعالى الصلاة في وقت محدود ، فيقول هؤلاء المخاذيل : إن من تعمد لا يؤديها [ 193 / أ ] ثم صلى في غير الوقت ، فقد أطاع وعمل ما أمر به . وهذا هو الكذب البحت ، وقد قال الله تعالى : { فويل للمصلين الين هم عن صلاتهم ساهون } ( الماعون : 5 ) ، فأثبت الله تعالى انهم يصلونها ، وأنهم يسهون عنها ، وأوجب لهم الويل ، ومن صلى كما أمر فما له الويل ، بل له السعد فصح ان من له الويل على ما صلى فلم يصل ولا صلاة له ( 6 ) ، وهذا في غاية الوضوح لمن أراد الله به خيرا
Shafi 111