فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - أن هذا كلام مختلط في قوله ، فكيف يوافقنا على ان التأويل في آية كذا هو أمر كذا على ظاهر الآية وان الآية لا تحتمل تأويلا وهذا برسام هائج لأن القول بالتأويل خلاف الأخذ بالظاهر بلا شك ، وهم قد ساووا هنا بين الأمرين ، ونحن لا نقول بالتأويل أصلا إلا أن يوجب القول به نص آخر أو إجماع أو ضرورة حس ، ولا مزيد ، وإلا فمن ادعى تأويلا بلا برهان ، فقد ادعى ما لا يصح ، فدعواه باطل ، ولا يحل أن يقال إن الله تعالى لم يرد بهذه الآية إلا معنى كذا ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد بهذا القول إلا معنى كذا ، من غير أن يأتي نص وإجماع بذلك ، لأ [ ن ] من قال هذا من عند نفسه ، فقد تقول على الله تعالى وعلى رسوله عليه السلام إذ لم يأت له حجة خبر عنه تعالى ولا عن نبيه صلى الله عليه وسلم . وأما قولهم ( 1 ) : إن العلماء اختلفوا في التأويل ، فنعم ، وليس قول أحد منهم حجة على الآخرين منهم ، والواجب رد ما تنازعوا فيه إلى ما أمر الله تعالى بالرد إليه ، إذ يقول عز وجل : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ( النساء : 59 ) ونحن نعلم أن الله تعالى إذا نص على شيء فهو الذي أراد منا ، ولو أراد غير ما خاطبنا به لبينه لنا بلا شك . فإذا لم يفعل ، فما أراده قط ؛ فمن ادعى انه أراده قط ، فقد قال الباطل . والأمر في هذا أبين من الشمس لمن أراد الله به خيرا ولم يرد أن يضله . ثم نسألهم بهذا القول بعينه ، فنقول لهم : قد تنازع العلماء كما قلتم في التأويل ، فما الذي جعل تأويل مالك أولى من تأويل غيره ، لو كان لكم اهتبال بأديانكم ، ونسأل الله تعالى العصمة [ 187 / أ ] . وأما قولهم : ' وهو يجد غيرك يحدثه في تلك الآية بغير ماص : ووقع . ( 2 ) حدثته ، بزائد فيه أو بناقص منه ' ، فإنه إن وجد عند غيرنا حديثا صحيحا لم يجده عندنا أو زيادة وليس كلامنا ولا كلام غيرنا حجة على الله ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم هو الحجة علينا وعلى كل أحد ، وما ندعو إلا إليه فقط ، وبالله تعالى التوفيق
24 - ثم قالوا : ' ثم إنك تنهى عن النظائر والتفريع والتناتج والقياس ، ثم تأتي بما هو أشد وأشنع ، وذلك أنك تخالف مسائل كثيرة عما وردت واستقرت عليه وصح العمل بها ، وتدعي أنت خلافها من طريق ظاهر الحجة والاتساع في اللغة والتصريف في الكلام ، فتذهب إلى التشقيق والتناتج ، ومن سبقك من المتقدمين العالمين بالسنة واللغة لم يكلفوا أنفسهم ما تتكلفه أنت ، ولا غاصوا في المسائل ، ولا أحالوها عن ما وردت عليه على حسب مفهومها ومسموعها ، وتورعوا أن يقولوا : هذه مسألة فيها لأهل الكلام تصريف معان واحتجاج يؤدي إلى العقل قبول ذلك ويصوبه ' .
Shafi 101