فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - إن هذا كلام إنسان مخبول العقل يتناثر تناثر الرمل ولا يعقل ( 1 ) . فأول ذلك أنهم أنكروا نهينا عن النظائر والتفريع والتناتج والقياس ، فخلط تخليطا بجنون ؛ وما نهينا قط عن التفريع والتناتج ولا عن النظائر إذا وقعت تحت نوع واحد ، لكن نهينا عن القياس جملة ، فجمع هؤلاء بين المختلفات جمع أهل الجهل حقا . والتفريع هو ذكر تصاريف المسألة التي يجمعها جملة النص ، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 2 ) : ' من زاد في صلاته أو نقص فليسلم ، ثم يسجد سجدتين ' ؛ فنقول : من صلى ستا أو سبعا ساهيا فقد دخل في هذا الحديث [ 187 ب ] ، لأنه زاد سجدة أو سجدتين أو سجدات ساهيا فقد دخل في هذا الحديث ، لأنه في صلاته . وهذا كثير جدا لو جمع لقام منه جزء ضخم . والتناتج هو نحن قوله صلى الله عليه وسلم ( 3 ) : ' كل مسكر خمر وكل خمر حرام ' ، فانتج هذا أن المسكر حرام . وأن السيكران خمر ، وأن كل نقيع العسل إذا أسكر خمر ، ومثل هذا كثير جدا . والنظائر هي كقوله عليه السلام ( 4 ) : ' إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ' ، فكل حيضة فهي نظير تلك الحيضة في النوعية ، والحكم لازم لها لزوما ، وهذا كله هو الظاهر بعينه ، والنص بعينه . وأما القياس فهو غير هذاكله ، وإنما هو أن يحكم لما لم يأت به النص بما جاء به النص في غيره ، كحكمهم في تحريم الجوز بالجوز متفاضلا ونسيئة ، قياسا على تحريم الملح بالملح والقمح بالقمح والتمر بالتمر متفاضلا ونسيئة ، فهذا هو الباطل الذي لا يحل القول به ، لأنه شرع لم يأذن به الله . وقد تقصينا الكلام في هذا كله في غير هذا المكان ، ولكنا لا نفقد مهذارا يكرر السؤال فنكرر له الجواب ، إقامة لحجة الله تعالى عليه ، وبالله تعالى التوفيق . ثم نعود إلى تخليطهم فنقول لهم : ' إننا نأتي بما هو أشد وأشنع ' ، هو قول كان ينبغي لهم أن يبينوه وإلا فهو كذب وبهت . ثم ذكرتم أننا نخالف مسائل كثيرة عما وردت واستقرت عليه وصح العمل بها ندعي نحن خلافها من طريق ظاهر الحجة والتصريف في اللغة والاتساع في الكلام : أي عمل هو ، وعمل من هو فان كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 1 ) ، فهم إذا صلوا [ فليصلوا ] كصلاته قاعدا بالناس في الفريضة ، وكتسليمه مرتين من الصلاة ، وكمسحه على العمامة ، وغير ذلك كثيرا جدا . وإن كان عمل الصحابة ( 2 ) رضي الله عنهم فقد ذكرنا فعلهم ، وعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إضعاف القيمة على رقيق [ 188 / أ ] حاطب ، وعمله في حكمه بان يكون القراض مضمونا بحضرة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وغير ذلك كثير . وددت لو بينوا لنا عمل من يريدون عمل قضاتهم بالأندلس وأفريقية فما جعل الله تعالى أولئك حجة على أحد ، وما هم أولى باتباع عملهم من قضاة خراسان وسجستان والسند وسائر بلاد الإسلام من الحنفيين والشافعين ، والله اعلم . وأما قولهم : ' إن من سبقنا من المتقدمين العالمين بالسنة واللغة لم يتكلفوا قط غير طلب الحق في القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ' ، فغن كانوا لم يتكلفوا ( 3 ) ذلك فبئس ما فعلوا ، ولقد ظلموا أنفسهم ، وبئس ما أثنى عليهم هؤلاء المخاذيل ، وإن كانوا لم يغوصوا ( 4 ) في المسائل ، فما أحسنوا ( 5 ) في ذلك ، مع انهم أيضا كذبوا عليهم ، فما ندري أحدا أكثر غوصا على ما لا يكاد يقع من المسائل منهم . وأما قولهم : ' ولا أحالوها عما وردت على حسب مفهومها ومسموعها ' ، فهذا هو مذهبنا الذي ندعو الناس إليه ، وهم لا ينكرون علينا إلا هذا بعينه ، فلو عقل هؤلاء القوم ما هذروا هذا الهذر ، ونعوذ بالله من الخذلان .
Shafi 103