فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - أن هذا لا يدرك بيانه إلا بطلب العلم والبحث ، لا بالنهي والجلوس . والذي ذكروا من اختلاف التواريخ هو كما قالوا ، ولكن اختلافهم [ 186 / أ ] في الواحد يجرحه قوم ويعدله آخرون قليل جدا . والقول في ذلك أن المختلف فيه إن كان ممن اشتهرت عدالته في ضبطه ، فالتعديل أولى به ، حتى يأتي المجرح ببيان جرحة تسقط لها عدالته . وأما من كان مجهول الحال . فالتجريح أولى به من التعديل ، لأن أصل الناس الجهل بهم والجهل منهم حتى يصح عليهم العلم ( 4 ) بهم . وأما الأحاديث المتعارضة ( 5 ) ، فقد بينا جملة العمل فيها في غير ما موضع من كتبنا ، وبينا ذلك في أشخاص الأحاديث والحمد لله رب العالمين . ونحن نذكرها هنا جملة من ذلك كافية إن شاء الله تعالى فنقول ، وبالله تعالى التوفيق : إن الحديثين إذا نظرا ، فإن كان أحدهما صحيح السند ( 6 ) ، نظر : فإن كان أحدهما أقل معاني من الآخر ، استعملا معا إن كان كلاهما نهيا أو كان كلاهما أمرا ، ولم يجز ترك شيء منهما ، أو استعملا معا أيضا ، بأن ( 1 ) نستثني أحدهما من الآخر [ إن كان أحدهما نهيا والآخر ] أمرا إذ لا يجوز ترك واحد منهما للآخر . وإن لم يمكن استعمالهما ألبتة ، طلب الناسخ منهما من المنسوخ . فإن عرف ببرهان لا بدعوى لكن بنص آخر يبين أن أحدهما هو الناسخ ، أو بإجماع على ذلك ، فالزائد ، لأنه شرع وارد لا يجوز تركه ، ولأنه بيقين دافع لحكم الخبر الآخر وزائد عليه ، فلا يحل ترك اليقين . وهذه وجوه لا يخرج عنها خبران متعارضان أبد الأبد ، والحمد لله رب العالمين . ثم نعكس عليهم هذا السؤال بعينه ونقول : إذا اختلفت الرواية عن مالك لوجهين أو ثلاثة وأربعة ، وهذا كثير لهم جدا ، فبأيها تأخذون أتغلبون رواية ابن القاسم فقد كذبتم ابن وهب وأشهب ومطرفا ( 2 ) وغيرهم ، وليسوا أهلا للتكذيب ، أم كيف تفعلون فهذه هي الحيرة والضلالة حقا ، لا ما قد بينه الله تعالى وأوضحه ورفع ( 3 ) الإشكال فيه ، والحمد لله رب العالمين [ 186 ب ] .
23 - ثم قالوا : ' ونجد العلماء أيضا يختلفون في التأويل ولا يتفقون ، فكيف يوافقك على أن التأويل في آية كذا هو أمر كذا على ظاهر الآية وأن الآية لا تحتمل تأويلا غير ظاهرها [ وهو يجد غيرك يحدثه في تلك الآية بغير ما حدثته ، بزائد فيه أو بناقص منه ] '
Shafi 100