فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - إن هذه التمويهات ليس بأيديهم غيرها ، وهي كلها عليهم لا لهم . أما قولهم في أحكامهم التي قضوا بها في عهد رسول الله صلى عليه وسلم ، فنحن الآخذون ، وهم المخالفون في أكثر الأمر ، كقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه : نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ، فخالفوهم بآرائهم في هذا القول الظاهر إلى جنب ( 4 ) رسول الله صلى الله عليه وسلم . وحكم علي باليمين في الثلاثة المتداعين في الولد بعلم رسول الله صلى الله وسلم في الإقراع عليه بينهم ، وغير ذلك كثير جدا ، وقد ذكرناه ( 5 ) في كتابنا ( 6 ) ولله الحمد . وأما قولهم : ' فهل كانت ( 7 ) تحل لهم مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو أن يقضوا بخلاف ما يرضاه ، أو يبلغهم عنه حكم فيرغبوا عنه ويقتصروا على رأيهم بعد علمهم بقوله ، فإنه لا يجوز أن يقصدوا إلى خلافه عليه السلام استخفافا بأمره ' هذا ما لا يظن مسلم . لكن قد صح عن الواحد بعد الواحد منهم رضي الله عنهم أنه بلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتأول فيه تأويلا ، كما روينا في نهيه عليه السلام عن الحمر الأهلية ، فاختلف الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ، فقال بعضهم : إنما حرمت لأنها كانت حمولة الناس . وقال بعضهم : إنما حرمت لأنه لم تكن حمر ( 1 ) . وقال بعضهم : إنما حرمت لأنها كانت تأكل القذر . وقال بعضهم : بل حرمت ألبتة . فهذه التأويلات [ 183 ب ] كلها لا يجوز أن تكون كلها حقا ، ولا يجوز أن يضاف إلى الله منها شيء دون شيء آخر فيها بغير نص . فمثل هذا قد يتأوله المتأول مقدرا انه الحق ، وهذا ما لا يجوز قبوله ممن وهم فيه ، ومثل هذا كثير جدا . وأما مدحهم الصحابة رضي الله عنه ، فنحن أمدح لهم منهم ، وأعرف بحقوقهم وأشد توقيرا لهم ، ولكن القوم مموهون يهولون بمدح الصحابة وبإنكار خلافهم ، وهم أترك الناس لأقوالهم وأشد خلافا لهم ، لا يلتفتون إلى شيء من أقوالهم ، وإنما يكتبون أقوال مالك فقط . فما الذي ادخل تقليد مالك في مدح الصحابة ، لو نصحوا انفسهم ، وبالله تعالى التوفيق . وإذ يهولون بمدح الصحابة رضي الله عنهم ويعظمون خلافهم ، فنحن نسألهم عن المسائل المأثورة في الموطأ وغيره عن عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة ، أيأخذون بها أم يتركونها لقول مالك فإن قالوا : نتركها عاد تشغيبهم عليهم ، وإن قالوا : بل نأخذها كذبوا ، فإن قالوا : [ إن ] مالكا كان أعرف بما ترك من أين تركها ، قلنا لهم : يكفيكم بهذا إقرارهم بان مالكا أظفر بعلم خفي عن عمر ، وأمكن أن نعلم نحن كثيرا خفي عن مالك ولم يعرفه ، لما قد ذكرناه من النسبة والنسابة بين جميع الناس وبين مالك وبين أول الصحابة رضي الله عنهم ، وبالله تعالى التوفيق .
20 - ثم قالوا : ' فنفس هذا السائل تنازعه أن الذي عليه الأكثر والجمهور هو الهدى ، وانه الطريقة المثلى ، لاتفاق العلماء ، وائتلاف الجماعة وتتابع العمل ، واستقرار الأمر عليه . ويقوله عليه السلام : إن أمتي هذه لا تجتمع على ضلالة ، وإن أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ' .
Shafi 95