فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - إننا ما نعلم أحدا أشد اتهاما للصحابة كلهم من هؤلاء المقلدين ، ولا أعظم تخطئة لهم منهم ، لأنهم طرحوا جميع أقوال الصحابة ، رضي الله عنهم ، ولا يرونهم في نصاب من يستحق أن تكتب أقوالهم إلا ما وافق رأي مالك ، فقد اعترفوا مخالفة الذين قامت بهم الشرائع ، وثبتت بتبليغهم الحقائق . ونحن نسألهم فنقول لهم : أخبرونا ، إذا أوجدناكم ( 3 ) في الكتب التي أنتم مقرون بها كالموطأ والبخاري أقوالا صحاحا عن الصحابة والتابعين [ أتقرون بها ] أو بما جاء عن مالك فإن قلتم : بما صح عن الصحابة ، كذبتم وأفكتم : وإن قلتم : بما جاء عن مالك ، صدقتم واعترفتم باتهامكم للصحابة وتخطئتكم إياهم ، بخلاف ما قلتم ها هنا . فإن قلتم : لم يخالف مالك تلك الأقوال إلا بما هو أولى منها . قيل لكم : إذا خفي ذلك العلم الذي وقع عليه مالك على أولئك الصحابة ، فأحرى وأمكن وأوجب على أن يخفى على مالك علم كثير وقفنا نحن عليه ، إذ نسبتنا نحن من مالك ، أقرب من نسبة مالك من أقل صاحب من الصحابة ، لان مالكا وغير مالك لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يبلغ نصف مد شعير يتصدق به أقل الصحابة . وليست هذه المنزلة ولا هذه الفضيلة لمالك على أحد من الناس ، بل نحن وهم من جملة المسلمين ، لا نقطع له ولا لنا بنجاة ، ولا نضمن لنا ولا له الجنة ولا العصمة ، بخلاف ضمان ذلك للصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وبالله التوفيق
19 - ثم قالوا : ' ومن أحكامهم ما قضوا بها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستمر الحكم عليها أو تتابع العمل بها وهو حاضر معهم لا غائب ولا متخلف ، فهل كانت تحل لهم مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يقضوا [ 183 / أ ] بخلاف ما يرضاه ، أو يبلغهم عنه حكم فيرغبوا عنه ويقتصروا على رأيهم ، أو يؤثروا أقوالهم على قوله بعد علمهم بقوله ، [ فإنه لا يجوز أن يقصدوا إلى خلافه عليه السلام استخفافا بأمره ] ويتجنبوا ( 1 ) ما يستحسنه عليه السلام فمعاذ الله وحاشا لله من ذلك ، فهم المنزهون عن كل شر ، المظنون بهم كل خير ، بهم قامت ( 2 ) أعلام الدين ، ورسخ العلم ، وسطع الحق وأشرق النور ، وأينعت ( 3 ) الحكمة ، واتسعت السنة ، ولاح الدليل ' .
Shafi 94