على بَنَات التُّرَاب وَالْمَاء النَّار. وارتحل عَنْهَا الْمُسلمُونَ، وَقد عَمَّتهَا المصايب وأصمى لبتها السهْم الصايب، وظللها القشاعم العصايب، فالذياب فِي اللَّيْل البهيم تعْمل، والضباع من الحدب الْبعيد تنسل، وَقد ضَاقَتْ الجدل عَن المخانق وَبيع الْعرض الثمين بالدانق، وسبكت إسورة الأسوار، وسويت الهضاب بالأغوار، واكتسحت الأحواز القاصية سَرَايَا الغوار. وحجبت بالدخان مطالع الْأَنْوَار، وَتَخَلَّفت قاعتها عِبْرَة للمعتبرين، وعظة للناظرين، وَآيَة للمستبصرين، ونادى لِسَان الحمية يالثارات الْإسْكَنْدَريَّة، فَأَسْمع آذان المقيمين والمسافرين، وأحق الله الْحق بكلماته، وَقطع دابر الْكَافرين. ثمَّ كَانَت الْحَرَكَة إِلَى أُخْتهَا الْكُبْرَى، ولدتها الحزينة عَلَيْهَا العبرى، مَدِينَة أبدة، دَار الْعمرَان المستبحر، والربض الحري الْمحصر، والمباني الشم الأنوف، وعقايل المصانع الجمة الحلى والشنوف، والغاب الأنوف، وبلد التَّجر، والعسكر المجر، وأفق الضلال الْفَاجِر الْكَذِب على الله، الْكَاذِب الْفجْر، فجدل الله حاميته، الَّتِي يعي الحسبان عَددهَا، وَشَجر بحورها الَّتِي لَا يرام مدها، وحقت عَلَيْهَا كلمة الْإِسْلَام، فَلَا يُسْتَطَاع ردهَا، فَدخلت لأوّل وهلة، واستوعب [جمعهَا]، والْمنَّة لله، فِي نهلة، وَلم يَك للسيف من عضب عَلَيْهَا وَلَا مهلة. فَلَمَّا تنَاولهَا العفاء والتخريب، واجتاحها الْفَتْح الْقَرِيب، وَأسْندَ عَن عواليها حَدِيث النَّصْر الْحسن الْقَرِيب،
1 / 76