قد يكون الصلاح أن يفعله وقد يكون بخلافه ، ولذلك قلنا فى الدعاء : إن الواجب أن يفعله بشرط ، فيدعوه بأمور الدين والدنيا ، بشرط أن لا يكون فسادا وأن يكون داخلا فى الصلاح. وقلنا إنه لا بد فى هذا الشرط من أن يكون بالنية وإن لم يظهر ، وقلنا في من لا يشترط ذلك : إنه جاهل بكيفية الدعاء.
فإذا صح ذلك لم يكن فى ظاهر قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) دلالة على أن الهداية لم تتقدم ، ولا دلالة على أنه تعالى يفعلها فى المستأنف ، لأنه لا يمتنع أن نتعبد بالانقطاع إليه تعالى فى المسألة والطلب ، وإن كان ما سألنا (1) لا يجوز أن يفعل. ومعلوم من حاله أنه يفعل أو لا يفعل.
وعلى هذا الوجه قال تعالى : ( رب احكم بالحق ) (2) وقال حاكيا عن إبراهيم صلى الله عليه : ( ولا تخزني يوم يبعثون ) (3) وقال : ( ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) (4). وعلى هذا الحد نستغفر للأنبياء والصالحين ونطلب من الله عز وجل الصلاة عليهم والرحمة ، وإن كان كل ذلك معلوما أنه يفعله عز وجل أو لا يفعله. فكيف يصح التعلق بما ذكرناه؟!
وبعد ، فإنما يدل ذلك على أنه عز وجل يصح أن يفعل الهداية فى المستقبل ، ولا يدل على أن تلك الهداية ما هى؟ ولا يمتنع أن يكون تعالى قد دل على الدين المستقيم ، وتجدد الأدلة عليه حالا بعد حال ، أو يجوز ذلك منه وإن كان لا يفعله.
وقد بينا أن حسن المسألة لا يقتضى أن المطلوب يفعل لا محالة ، لأنه قد يكون
Shafi 44