وحقيقته هو الانتقال من مكان إلى مكان، فجعل ذلك لنقل الألفاظ من محل إلى محل١.
أقول: أما حد الحقيقة الذي ذكره فمنقوض بلفظ الدابة إذا استعملت في الدودة والقملة، فإنها قد دلت على موضوعها الأصلي؛ لأنها موضوعة لما يدب، مع أنها بالنسبة إلى الوضع العرفي مجاز، فإذن قد دخل المجاز العرفي فيما جعله حدا لمطلق الحقيقة، وبلفظة الصلاة إذا استعملت في الدعاء فإنها قد دلت على موضوعها الأصلي، فيكون قد دخل المجاز الشرعي فيما جعله لمطلق الحقيقة، وهو غير جائز.
والواجب أن يقال: الحقيقة ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به، فيدخل في ذلك الحقيقة اللغوية والعرفية والشرعية.
فأما ما ذكره في حد المجاز فهو باطل أيضا في الحقيقتين العرفية والشرعية، فإنهما يدلان على غير ما وضعا له في الأصل، وهما حقيقتان.
على أن قوله "المجاز ما أريد به غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة" ليس بجيد لأنه لو عبر بالسماء عن الأرض لكان قد أراد باللفظ غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة، وليس مجازا، والأجود أن يبدل لفظ ما أريد به بلفظ ما أفيد به، أو ما يدل، وفيه مع ذلك الإشكال الذي ذكرناه أولا.
وأصلح ما قيل في حد المجاز أنه لما أفيد به معنى مصطلح عليه غير ما اصطلح عليه في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب بها، لعلاقة بينه وبين المعنى الأول.
_________
١ المثل السائر ١/ ١٠٥.
4 / 80