وهذا القيد الأخير يتم تحديد المجاز؛ لأنه لولا تلك العلاقة لما كان مجازا من الأول، بل كان وضعا جديدا.
ومن العجب أن هذا الرجل قال: "المجاز اسم للمكان الذي يجاز فيه" ثم قال عقبه بلا فصل: "المجاز هو الانتقال من مكان إلى مكان"١ فتارة يجعل الفعل ههنا اسما للمكان كالمقام لموضع الإقامة، وتارة يجعله اسما للمصدر كالمقام من قال يقول قولا ومقالا، وهذه مناقضة ظاهرة.
فأما قوله: "فجعل ذلك لنقل الألفاظ من محل إلى محل" فإنه أراد من مسمى يعدل عن اللفظ الجيد إلى اللفظ الرديء، فإنه يوهم أن المعنى شيء يحل فيه اللفظ، ولسنا نضايقه في ذلك وأمثاله.
٣٩- قال المصنف: والفرق بين الحقيقة والمجاز بتبادر الفهم عند الإطلاق إلى الحقيقة دون المجاز، كالشمس لهذا الكوكب المخصوص دون وجه المستحسن فإن قلت: فإنا نرى الأفهام تبادر عند سماع كثير من الألفاظ العرفية إلى غير حقائقها الأصلية، كالغائط الذي لا يفهم منه إلا الحاجة المخصوصة دون المطمئن من الأرض. قلت هذا شيء يذكره الفقهاء ولا طائل له؛ لأن المعتبر بمبادرة أفهام الخاصة من الناس لا العامة، كالحدادين والنجارين والخبازين والحاكة والأساكفة، ومعلوم أن الخواص من العلماء لا يفهمون من الغائط إلا المطمئن من الأرض. قال: والعجب من الفقهاء كيف دونوا هذا وذهبوا إليه٢.
_________
١ المثل السائر ١/ ١٠٥.
٢ ملخص من ١/ ١٠٦ وما بعدها.
4 / 81