لأنه يكون محمولا على الامتناع من أخذ الرشا، ومأمورا أن يحكم لعدوه على صديقه، وأن يرفع الحجاب بينه وبين الناس، ويجلس للقضاء في وقت راحته، ويتعب نفسه ويجهدها. قال: فلما اشترك القضاء والذبح في الألم الشديد، وكان الذبح الحقيقي هو قطع الحلقوم، والقضاء هو قطع النفس عن هواها، لا جرم كان الشخص الذي يجعل قاضيا مذبوحا ذبحا معنويا. قال: وهذا موضع غامض لطيف١.
أقول إن تأويلات الباطنية٢ لآيات الكتاب العزيز أوقع وأقرب إلى العقل من هذا التأويل، وكيف يجوز أن يُنسب إلى رسول الله ﷺ وآله أنه أراد هذا المعنى؟ وهل هذا إلا في قوة أن يقال من رتب قاضيا فإنه بتعب، ويجد مشقة، وينقطع عليه كثير من أوقات راحته؟ ومنصب رسول الله ﷺ أجل وأعظم من أن يكون هذا المقدار فحوى كلامه.
_________
١ بتصرف من ١/ ٩٣.
٢ فرقة من الإسماعيلية الذين ينسبون الإمامة لإسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق. وفي رأيهم أن الأرض لن تخلوا من إمام حي قائم إما ظاهر مكشوف وإما باطن مستور. ولهم آراء شتى منها أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا.
وهم يلقبون بالعراق الباطنية والقرامطة والمزدكية، ويلقبون بخراسان التعليمية والملحدة. ويقولون نحن إسماعيلية لأننا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم وهم الشخص.
وقد خلط الباطنية القدماء كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على هذا المنهاج. ومن آرائهم نفي الصفات؛ لأن إثباتها الحقيقي يقتضي شركة بين الله تعالى وسائر الموجودات وذلك تشبيه.
ولهم دعوة جديدة تزعمها الحسن بن محمد الصباح في القرن الخامس الهجري.
"الملل والنحل ١/ ١٧٠".
4 / 77