فوجب أن يكون هو المراد بالجلود لتكامل شهادة كل الأجزاء" باطل لأنه لم يذكر في القرآن شهادة الأعضاء، وإنما ذكر شهادة الأيدي والأرجل والسمع والبصر والألسنة والجلود في آيات متفرقة، فأما القلوب فلم يذكر لها صريح شهادة، بل قال: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ ١ ولا ذكر شهادة "الذوق وهي اللهاة فيما ذاقته من الحرام والحلال، ولا شهادة حاسة اللمس بما لمسته من المحرمات، فقد بطل قوله إنه إنما وقع الإخلال من جميع الأعضاء من الشهادة بالفرج وحده.
وأما قوله إنه يجب حمله على الفرج لأنه مما يكره التصريح بذكره، فوجب أن يجعل هذا اللفظ كناية عنه، فباطل لأنه تعالى قد ذكره في غير موضع، فقال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون﴾ ٢ وقال: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُن﴾ ٣ وقال تعالى: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام﴾ ٤ وما رأيناه كنى في هذه المواضع بكناية أصلا.
٣٦- قال المصنف: ومما استدل به على مراد المتكلم بقرينة دقيقة لطيفة قوله ﷺ: "من جعل نفسه قاضيا للمسلمين فقد ذبح بغير سكين" ٥ قال ومعناه أن من جعل قاضيا فقد حيل بينه وبين نفسه وهواها،
_________
١ سورة الإسراء: ٣٦.
٢ سورة المؤمنون: ٥.
٣ سورة النور: ٣١.
٤ سورة لقمان: ٣٤.
٥ النص في المثل السائر: وأما ما يستدل عليه بقرينة ليست من توابعه، فإن ذلك أرق من الأول، وألطف مأخذا. فمما ورد منه قول النبي ﷺ: "من جُعل قاضيًا بين الناس فقد ذبح بغير سكين" ١/ ٩٣.
4 / 76