ويكون ذكر السمع والبصر من باب التفضيل كقوله تعالى: ﴿فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان﴾ ١ وهما من الفاكهة؟
وأجاب فقال: هذا الكلام يؤيد استدلالنا، لأن النخل والرمان إنما أفردا بالذكر لفضيلتهما على الفاكهة، وليس السمع والبصر أفضل وأكثر وزرا من غيرهما من الأعضاء في المعصية؛ لأن قصارى العصيان بهما إبصار محرم أو سماع محرم، وكل ذلك لا يوجب الحد، وأما غيرهما من الأعضاء فيقع به الكبائر التي توجب الحدود، فكان ينبغي أن تكون تلك الأعضاء هي المخصوصة بالذكر دون السمع والبصر٢.
هذا ملخص ما ذكره بعد حذف التطويلات.
أقول: أما الوجه الأول فليس بشيء؛ لأنه ما زاد على أن قال هذا مانع بلاغي يمنع من حمل الجلود على حقيقتها، وأن تحمل على الفروج، وهذا ضعيف لأنه بمنزلة قول من يقول إن الجلود في قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ ٣ بمعنى الفروج، وإن هذه الآية نزلت في الزناة، وكنى عن الفروج بالجلود لأنها كناية لطيفة، وأيضا كان سبحانه قد ذكر ثلاثة أجزاء من أجزاء بدن الإنسان، وهي السمع والبصر والجلد، وقال إنها تشهد عليهم، فلم حمل الجلد على الفرج؟ لأجل أن الفرج يليق ألا بذكر تصريحا، ويحسن أن يكنى عنه بغيره أولى من أن يحمل السمع والبصر على الفرج لهذه العلة، وإنما يتعين حمل الجلد على الفرج إذا كان بين لفظتي
_________
١ سورة الرحمن: ٦٨ ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ .
٢ المثل السائر ١/ ٨٨.
٣ سورة النساء: ٥٦.
4 / 74