الآية التي قد أوردها بعد هذا الكلام بلا فصل، وهي قوله ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم﴾ فإن لفظة الجلود ها هنا مترددة عنده بين الجلود الحقيقية وبين الفروج على سبيل المجاز، ويحتاج ترجيح أحد المحملين على الآخر إلى نظر دقيق.
٣٥- قال المصنف: وبيان الترجيح بين الحقيقة والمجاز قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ١ قال فالجلود ههنا يمكن أن تكون هذه الجلود الحقيقية، ويمكن أن يراد بها الفروج مجازا، لكن المانع البلاغي منع من حمل لفظ الجلود في هذا الموضع على حقيقتها، لما فيه من لطف الكناية عن المكنى عنه. قال: ويمكن أن يستدل على ذلك من وجه آخر استنباطا بأن يقال إما أن يراد بالجلود هذه الجلود المعروفة والجوارح التي هي ذوات الأعمال، والأول باطل؛ لأن شهادة الجلود وهي غير قابلة شهادة بطلة؛ لأن المراد الإقرار بأن تقول اليد أنا أخذت كذا، وتقول الرجل أنا مشيت إلى كذا، وكذلك بقيت الجوارح، وهو باطل؛ لأنه قد دخل تحته السمع والبصر فلا يكون لتخصيصها بالذكر فائدة، أو بعض الجوارح فيكون ذلك البعض هو الفروج؛ لأن حمله عليها أولى من وجهين:
أحدهما: أن الجوارح قد ذكرت في القرآن شاهدة على صاحبها بالمعصية ما عدا الفرج، فكان حمل الجلد عليه أولى ليستكمل ذكر جميع الأعضاء، والثاني: أنه ليس في الجوارح ما يكره التصريح بذكره إلا الفرج، فكنى عنه بالجلد كراهية لذكره. ثم سأل نفسه: لم لا يجوز أن يراد كل الجوارح
_________
١ سورة فصلت: ٢٠.
4 / 73