أقول إنه قال أطال هذا الفصل وأسهب بما لا ثمرة له إلا تسويد الكاغد، وتضييع الزمان، فإن كل أحد يعلم أن الباب المعقود في هذا العلم للترجيحات لا يكون متضمنا ترجيحات الفقهاء، ولا ترجيحات النحاة، ولا ترجيحات الأصوليين، فأي حاجة له إلى أن يقص هذه القصص، ويطيل هذه الإطالة؟ ومن العجب قوله "وبيان ذلك" وهذه لفظة تقال فيما يحتاج إلى بيان وبرهان. فأما من قال إن مباحث النحاة مثلا في باب الصلة والموصول غير مباحث الفلاسفة في ماهية الزمان والمكان، فإنه لا ينازعه في ذلك عاقل حتى يحتاج إلى أن يقول "وبيان ذلك".
٣٤- قال المصنف: والترجيح إنما يقع بين معنيين يدل عليهما لفظ واحد، ولا يخلو الترجيح بينهما من ثلاثة أقسام: إما أن يكون اللفظ حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر، أو حقيقة فيهما معا، أو مجازا فيهما معا.
قال: والترجيح بين الحقيقتين أو بين المجازين يحتاج إلى نظر.
وأما الترجيح بين الحقيقة والمجاز فإنه يعلم بالبديهة لمكان الاختلاف بينهما، والشيئان المختلفان يظهر الفرق بينهما، بخلاف الشيئين المتشابهين١.
أقول: الذي يعلم بالبديهة هو الفرق بين الحقيقة والمجاز لا الترجيح؛ لأنا إذا علمنا في لفظ مستعمل في شعر أو خطابة أنه متردد بين مسميين وهو موضوع لأحدهما وضعا أولا ومنقول إلى الآخر ثنايا فقد علمنا الفرق، وأما ترجيح أحد المحملين على الآخر فإنه لا يعلم الترجيح بين محملين في لفظ واحد، وكلاهما حقيقة أو كلاهما مجاز إلا بالنظر، ويدل على ذلك
_________
١ المثل السائر ١/ ٨٧.
4 / 72