هذا مقصود البيت، ولو أراد السعي بمعنى سرعة مرور الزمان لقال عجبت لسعي الدهر أيام وصلنا أو ما يشبه ذلك، وبالجملة فساد المحمل الأول ظاهر عند من له أدنى نقد للمعاني الشعرية.
٣٢- قال المصنف: وليس كل من حمل ميزانا سمي صرافا، ولا كل من وزن به سمي عرافا١.
أقول: العراف هو الكاهن، وليس الوزن من الكهانة ولا يناسها، ولو قال ولا كل من تفرس أو من تكهن سمي عرافا كان أولى، اللهم إلا أن يريد ليس كل من وزن بخاطره أي لمح ونقد سمي عرافا، فيجوز، لكنه تأويل بعيد، وخير الكناية ما كان معناه جليا، ويحمد فيها من وضوح المعنى ما لا يحمد في كثير من الشعر.
٣٣- قال المصنف: والفرق بين الترجيح البياني والترجيح الفقهي أن هناك يُرجح بين دليلي الخصمين في حكم شرعي، وههنا يرجح بين جانبي فصاحة وبلاغة في ألفاظ ومعان خطابية.
وبيان ذلك أن صاحب الترجيح الفقهي يرجح بين خبر الواحد مثلا وبين خبر المتواتر، وبين المسند والمرسل٢، أو ما جرى هذا المجرى، وهذا لا يتعرض له صاحب علم البيان؛ لأنه ليس من شأنه، ولكن الذي من شأنه أن يُرجح بين حقيقة ومجاز، أو بين حقيقتين، أو بين مجازين، ويكون في ذلك كله ناظرا إلى الصناعة الخطابية٣.
_________
١ المثل السائر ١/ ٨٦.
٢ خبر الواحد ما رواه الواحد. المتواتر هو الذي رواه جمع يؤمن تواطؤه على الكذب واستمر هذا في إسناده. المسند هو الذي ذكر جميع رواته إلى رسول الله ﷺ. المرسل هو الذي سقط منه الصحابي الذي رواه عن الرسول.
٣ كان في العبارة سقط فأصلحناها من المثل السائر ١/ ٨٦.
4 / 71