لا يسمى ظالما؛ لأنه لم يكافئ الإحسان بالإساءة. نعم قد يسمى بخيلا كما قال ابن هانئ:
وهب الدهر نفيسا فاسترد ... ربما جاد بخيل فحسد١
وأما سياق البيت فإن هذا المصنف ذكر في بيت أبي الطيب وهو:
فإن نلت ما أملت منك فربما ... شربت بماء يعجز الطير ورده٢
أنه ليس مترددا بين المدح والذم كما قد توهمه قوم؛ لأن سياق الشعر يقتضي أنه أراد المدح لا الذم، وإذا كان كذلك فسياق هذا الشعر يقتضي أنه أراد أن المنعم عليه يحسد المنعم؛ لأنه قال:
تريد بك الحساد ما الله دافع ... وسمر العوالي والحديد المذرب
إذا طلبوا جدواك أعطوا وحكموا ... وإن طلبوا الفضل الذي فيك خيبوا
ولو جاز أن تعطي علاك وهبتها ... ولكن من الأشياء ما ليس يوهب
وأظلم أهل الظلم من بات حاسدا ... لمن بات في نعمائه يتقلب٣
فهذا يدل على أن الممدوح يعطي هؤلاء وهم يحسدونه، وإذا كانت السياقة تدل على أنه أراد هذا المعنى خرج من كونه دالا على معنيين ضدين كما حكم به في البيت المتقدم.
_________
١ هو أبو القاسم محمد بن هانئ الأزدي الأندلسي، ولد بالأندلس بمدينة إشبيلية ونشأ بها واشتغل بالأدب، ومهر في الشعر، ولما خرج معز الدولة يريد مصر شيعه ومدحه بقصيدة مشهورة، ثم جاء إلى مصر ليلحق به فقتل ببرقة سنة ٣٦٢.
"وفيات الأعيان ٤/ ٤٩".
٢ من قصيدته في مدح كافور التي مطلعها:
أود من الأيام ما لا توده ... وأشكو إليها بيننا وهي جنده
الديوان ١/ ٢٦٢.
٣ من قصيدته في مدح سيف الدولة الديوان ١/ ١٢٨.
4 / 59