فالحاصل أن الحديث ما دل على شيئين ضدين كما ذكره ﷺ، وإن سلم له أنه قد دل فإنه يدل أيضا على المساواة، وهي أمر ثالث، قصدت أيضا، وهي شيء غير أفضلية كل واحد منهما، وذلك لم يذكره المصنف، فقد ظهر أن الذي ذكر مستدرك على كلا التقديرين:
٢٤- قال المصنف: وقد قال أبو الطيب المتنبي:
وأظلم أهل الظلم منبات حاسدا ... لمن بات في نعمائه يتقلب
قال: هذا البيت يستخرج منه معنيان ضدان، أحدهما أن المنعم عليه يحسد المنعم، والآخر "أن المنعم يحسد" المنعم عليه١.
أقول أما أولا فإن هذين المعنيين ليسا بضدين، لأنه يجوز اجتماعهما معا، فيكون زيد قد أنعم على عمرو، ثم حسده، وعمرو يحسده أيضا، فيكون المنعم والمنعم عليه كل واحد منهما يحسد صاحبه، فقد بطل التضاد الذي ذكره، ووجب دخول هذا البيت في القسم الأول الآخر، وهو أن تتأول اللفظ على المعنى وغيره لا على المعنى وضده، وأيضا فإن لفظة البيت تشعر بأنه أراد أن المنعم عليه يحسد المنعم، وكذلك سياق الشعر، أم الفظ البيت فلأنه سماه ظالما وقال إنه أظلم الظالمين، ولا شبهة أن من أنعم عليه بنعمة فحسد من أنعم بها عليه وود زوال نعمته، وانتقالها إليه، فإنه يكون قد كافأ الإحسان بالإساءة، وكان ظالما. فإذا أنعم إنسان على غيره ثم حسد ذلك الغير فإنه
_________
١ التصويب من المثل السائر ١/ ٧٧.
والبيت من قصيدته في مدح سيف الدولة التي مطلعها:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب ... وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
الديوان ١/ ١٢٨.
4 / 58