ألم يسمع كلام عبد الحميد بن يحيى١ وابن المقفع٢ ومن جاء بعدهما من الكتاب، ومن كان قبلهما من فصحاء العرب الذين كلامهم محض البلاغة؟ فهل ترى لأحد منهم تجنيسا في كلامه، اللهم إلا أن يقع ذلك اتفاقا غير مقصود قصده؟
١٨- قال المصنف: وقد استعمل المشترك في الكلام العزيز قال سبحانه: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ ٣ فالساعة الأولى هي القيامة والساعة الثانية هي هذا المقدار المخصوص من الزمان٤.
أقول لذاهب أن يذهب إلى أن الساعة في الموضعين بمعنى واحد، وهو هذا المقدار المعين من الزمان، وسميت القيامة ساعة لما يجري فيها من الأهوال والأمور الشاقة، وهذه عادتهم إذا استعظموا أمرا يقع في زمان مخصوص اكتفوا بذكر ذلك الزمان في الدلالة عليه، كقولهم يوم الجمل٥ ويوم ذي قار٦ وليلة الهرير٧ وقوله سبحانه: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ
_________
١ عبد الحميد بن يحيى مولى فارسي لبني عامر نشأ بالشام في أخريات الدولة الأموية، وكتب لمروان بن محمد سنة ١٢٧هـ ويعتبر من الزعماء الذين كان لهم أثر عظيم في النثر الفني توفي سنة ١٣٢هـ.
٢ ابن المقفع هو عبد الله بن المقفع أحد فحول البلاغة في العصر العباسي الأول ولد حوالي ١٠٦ وقتل سنة ١٤٢ وله مؤلفات شتى منها الأدب الكبير والأدب الصغير وترجمة كليلة ودمنة.
٣ سورة الروم: ٥٥.
٤ لم نجد هذا النص في كلام ابن الأثير عن المشترك ولكننا وجدناه قد استدل بالآية في التجنيس "المثل السائر ١/ ٣٤٣".
٥ موقعة كان بين علي بن أبي طالب وطلحة والزبير والسيدة عائشة سنة ٣٦هـ بالقرب من البصرة، واقتصر فيها علي بن أبي طالب، وانحصر بعدها النزاع بين حزبين اثنين هما حزب معاوية بن أبي سفيان. وحزب علي بن أبي طالب.
٦ يوم ذي قار أشهر الوقائع بين بني بكر بن وائل وبني شيبان وبني عجل وبين كسرى وحلفائه من العرب، كان النصر فيه للعرب، وكان ذلك في حياة الرسول ﷺ بعد البعثة. وقد أشاد الشعراء بانتصار العرب أيما إشادة "مروج الذهب ١/ ١٣٤ والتنبيه والإشراف ٢٠٨ والأغاني ٢/ ٢٩ و٢٠/ ١٣٢ وتاريخ الطبري ٢/ ١٤٦".
٧ ليلة الهرير: ليلة بصفين كانت بين علي ومعاوية، حدث معاوية أنه هم فيها بالفرار، لولا أبيات لعمرو بن الإمنابة ثبتته وقوته على البقاء "العمدة ١/ ١٠" ومن أيام العرب في الجاهلية يوم الهرير بين بكر بن وائل وتميم "القاموس المحيط مادة هر".
4 / 51