ثم اعلم أن العلم على أنواع، وكل ذلك عند الله حسن وليس كالفقه، فينبغي للرجل أن يكون تعلم الفقه أهم إليه من غيره لأن من تعلم الفقه تيسر عليه سائر العلوم، والفقه هو قوام الدين. وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين)) وقال ((لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد جاهل)) وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: لأن أجلس فأتفقه ساعة أحب إلى الله من إحياء ليلة بلا فقه. وروى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا، وإذا أخذ الإنسان حظا وافرا من الفقه ينبغي أن لا يقتصر على الفقه ولكن ينظر في علم الزهد والحكمة وفي كلام الآخرة وفي شمائل الصالحين فإن الإنسان إذا تعلم الفقه ولم ينظر في علم الزهد والحكمة قسا قلبه والقلب القاسي بعيد من الله تعالى، ولو تعلم من علم النجوم والحكمة قسا قلبه والقلب القاسي بعيد من الله تعالى، ولو تعلم من علم النجوم والحكمة مقدار ما يعرف به الحساب فلا بأس به ولا يزيد عليه إذا تعلم مقدار ما يهتدي به إلى أمر القبلة وأمر الحساب قال الله تعالى {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} وقال في آية أخرى {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} الآية، وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: تعلموا من النجوم مقدار ما تعرفون به أمر قبلتكم، وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المناظرة في النجوم، وقال عبد الله بن عباس لميمون بن مهران: لا تتبع علم النجوم فإنه يؤدي إلى السحر والكهانة.
الباب الثالث عشر: في مناظرة العلم
(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله تعالى: كره بعض الناس المناظرة والجدال في العلم واحتجوا بقول الله تعالى {ما ضربوه لك إلا جدلا} وقال في موضع آخر {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} فلامهم على المجادلة وذمهم عليها. وروت عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أبغض الناس إلى الله تعالى الألد الخصم)) وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((دع المراء ولو كنت محقا)) وروي بلفظ آخر أنه قال: ((لا يجد أحدكم حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محق)) ولأن المراء يؤدي إلى العداوة والعداوة بين المسلمين حرام قال عامة أهل العلم لا بأس بها إذا قصد بها ظهور الحق لقوله تعالى {وجادلهم بالتي هي أحسن} وقال أيضا {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} وقال {ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم في ربه} إلى قوله {فبهت الذي كفر}. وروي عن طلحة بن عبيد الله أنه قال ((تذاكرنا في لحم صيد يأكله المحرم وقد ذبحه حلال والنبي صلى الله عليه وسلم نائم، فارتفعت أصواتنا فاستيقظ من ذلك قال: فماذا تتنازعون؟ فأخبرناه فأمرنا بأكله)) ولم ينكر عليهم جدالهم في المسألة ولأن في المناظرة ظهور الحق من الباطل والنظر في طلب الحق مباح، والآثار التي وردت في النهي معناها إذا جادل بغير حق وأراد به المباهاة فهو مكروه كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. من تعلم العلم لثلاث فهو في النار: أن يباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الخلق إلى نفسه)).
الباب الرابع عشر: في آداب المتعلم
Shafi 313