وكان -رحمه الله تعالى- إمامًا عالمًا حافظًا شاعرًا أدبيًا مصنّفًا مليح الشكل منور الشيبة، حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية عذب المذاكرة، مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودرية بالأحكام ومداراة الناس، قلَّ أنْ كان يخاطب الرجل بما يكره، بل كان يحسن إلى من يسيء إليه (١)، ويتجاوز عمن قدر عليه هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات، وبالجملة فإنَّه أحد من أدركنا من الأفراد» (٢).
وقال ابن فهد: «لم ترَ العيون مثله، ولا رأى مثل نفسه» (٣).
أوصافه الخُلُقية:
قد عُرِف -رحمه الله تعالى- بتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وأموره كلها، وعُرف في ضبط لسانه مما يشهد لورعه، حتى في الدعاء على من ظلمه (٤)، وعرف بسعة حلمه وصدره وحسن سياسته والإعفاء عن من يؤذيه، لاسيما مع القدرة على الانتقام، بل
_________
(١) اقتدى بذلك بشيخه العراقي ﵀ إذ ذكر في المجمع المؤسس: ٢٥٧ صفاته فقال: «... قلَّ أن يواجه أحدًا بما يكرهه ولو آذاه».
(٢) النجوم الزاهرة ١٥/ ٥٣٢.
(٣) لحظ الألحاظ: ٣٣٦.
(٤) الذي نعتقده وندين الله به عدم جواز دعاء المسلم على أخيه المسلم بالسوء؛ لأنَّه إثم، وقد نهينا عن الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم؛ لأنَّ فيه معنى الحسد، ولأنَّه يخالف مسألة من مسائل الإيمان، وهي وجوب حب الخير للغير من أهل الإيمان، ولأنَّ كل واحد من المختلفين يظن نفسه مظلومًا، ولأنَّه بخلاف الصبر الذي أمرنا به، ولأنَّ فيه تخطيًا للسنَّة الإلهية في كون بعضنا لبعض فتنة، ولأنَّها خطوة من خطوات إبليس تجرُّ إلى الحقد، ثم إنزال الضرّ بالمسلم، وما جاء عن ابن عباس في هذا فهو اجتهاد منه لا نوافقه عليه، فإن أراد أن يدعو المسلم، فيدعو بكف الظلم عن نفسه، ويدعو بأن يجعل الله حسيبه.
1 / 21