وكان الرومان في بدء احتلالهم يعدّون العرب كخطر على البلاد لما اعتاده أهل البدو من الغزوات وشن الغارات والسلب والنهب فحاولوا غير مرة كسر شوكتهم غير أنهم عرفوا باختيارهم أنهم لا يظفرون بهم ظفرًا تامًا ما لم يستنجدوهم ويستعينوا ببعض عشائرهم لقطع دابر الشّاذ الباقين منهم. فخالف الرومان شيوخ قبائلهم ودفعوا لبعضهم قسمًا من السلطة على بادية الشام بصفة شيوخ أو ملوك فكانوا يتصرفون مع أهل جنسهم تصرّف السيد مع المسود وربما زاحموا الدولة الرومانية كلما كانوا يشعرون بانتقاض حبلها أو ضعف ولاتها. فترى النبطيين منهم أواسط القرن الأوّل للمسيح متقلدين الحكم على دمشق نفسها كما ورد عن الحارث ملكهم في رسالة بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنتيه (٣٢:١١) وتبعه في الحكم غيره من النبط. وقد أفادنا تاقيتس المؤرخ في تاريخ طيطس بأن الرومان كانوا اتخذوا في مقدمة جندهم كتيبة من العرب كانوا يتقدمون الجيش في محاربة أورشليم على عهد وسبسيانوس وابنه طيطس. بل كان الرومان يدفعون لبعض الفرق العربية وظائف معلومة ليقوموا بحراسة التخوم الرومانية من جهة البادية. وقد اخبر اميان مرقلينوس (Ammien Marcellin، XXV،٦) في ترجمة يليانوس الجاحد بأن بعض شيوخ هؤلاء المتحالفين قدموا على القيصر وشكوا إليه تأجيل عمّاله في دفع رواتبهم فغضب يليانوس وزجرهم بقوله أنه: أعدّ لهم حديدًا (لقتالهم) لا هبًا (لأجرتهم) . فخرجوا ناقمين على الرومان ولحقوا بجيش العجم وحاربوا يليانوس مع جيش سابور فكانت عليه الدولة.
أما الديانة التي كانت عليها أمم بادية الشام وقبائلها فكانت خلطًا من أديان الوثنية فكان اليونان والرومان أتوا بمعبوداتهم المنوطة بالسيارت كالمشتري وزحل وعطارد والزهرة والمريخ فأكرموها اكرام أجدادهم ومواطنيهم لها في أثينة ورومية.
ونشر الفينقيّون عبادة تمّوز وعشترون والبعل. أما النبط فكانوا يفضلون ذا الشرى (Dusares) واللات وشمس ويتع. ثم اختلطت هذه العناصر المتباينة وتداخلت أديانهم ببعضها وأكرم كل قوم معبودات القوم الآخرين.
وفي غضون ذلك ظهرت النصرانية وقامت لمناهضة تلك الأديان كلها دون أن ترضى أن تختلط بها أو تبادلها بشيء والمرجح أن الدين المسيحي دخل بلاد العرب من غربي الجزيرة من جهة الشام حيث انتشرت بعد صعود المسيح بزمن قليل كما ورد ي سفر الأعمال. ولا يقبل العقل أن بولس الرسول رحل إلى الربية كما جاء في رسالته إلى أهل غلاطية. (١٧:١) دون ان يكون سبقه إليها أحد من المتنصرين أو خلّف فيها أثرًا من دينه.
والظاهر أن النصرانية دخلت أولًا في خاصرة حوران أعني بصرى كما تشير إليه التقاليد القديمة الي تناقلها الكتبة اليونان والسريان ثم العرب المسلمون ومن بعدهم. فقد ورد في جدول دورتاوس الشسوري لتلاميذه السيد المسيح السبعين أن تيمون أحد الشمامسة السبعة المذكورين في سفر الأعمال (٨:٣) نشر الدعوة النصرانية في مدينة بصرى فعدّ كرأس أساقفتها. وفي الروايات التي تداولها الكتبة النصارى عن الرسل وأثبتها السمعاني في مكتبته الشرقية (ج٤ ص١٢٠) أن البعض منهم تلمذوا العرب وخصّوا بهم عرب بادية الشام وحوران كما يظهر من القرائن. وصرّح بالأمر المقريزي في كتاب الخطط والآثار (ج٢ ص٤٨٣) فروى عن متى العشّار "أنه سار إلى فلسطين وصور وصيدا وبصرى". وقال ابن خلدون في تاريخه (١٥٠:٢): "أن برتلماوس بعث إلى أرض العرب والحجاز". أما تدمر وباديتها فذكر سليمان أسقف البصرة في كتابه السرياني المعنون بالنحلة (Budge: Book of the Bee، p.١٠٦) أن يعقوب بن حلفا بشّر فيها.
1 / 6