أما نصرانية قبائل نجد فلنا عليها عدة شواهد، قال السائح الإنكليزي بلغراف في كتاب رحله إلى جزيرة العرب (ج١ ص٦١) عن بلاد الجوف: "ن أهل الجوف لا يعرفون عن أصلهم وتاريخهم إلا لقليل لكن التقاليد المحلية تزعم أن تلك البلاد كانت قبلًا تدين بالنصرانية وأن أنصار النبي كعلي وخالد بن الوليد اضطروا إلى استعمال قطع الأدلة أي السيف ليخلوا أهلها في الإسلام".
وقل في محل آخر (ص١١١): "قبل الإسلام كانت قبائل العرب في وسط الجزيرة رائعة في بحبوحة السلام الذي فقدته بعد ذلك، وكان أكثرها يدين بالنصرانية بل يرجح أنها خطفت دينها بعد الإسلام إلى خروج بني أمية عليها".
وخص بالذكر تلك القبائل المتنصرة فقال (ص٨٤) أ، عرب نجد قبل الإسلام كانوا من تغلب وتنوخ وكندة وطي وقد لقي ذاك السائح هناك عدة آثار وأبنية سمع الأهلين ينسبونها إلى قدماء النصارى من جملتها بير شقيق الذي نزل بقربه.
وليس كلام هذا الرحالةحديث خرافة بل تؤيد روايته الآثار القديمة وتاريخ قبائل نجد، وكانت أعظم القبائل كندة ومنها السكون والسكاسك الذين ذكر تنصرهم ابن خلدون في تاريخه (٢: ٢٤٩) وكان لكندة بيت ملك فتولوا على بني معد في أنحاء نجد وأولهم حجر آكل المرار ثم خلف حجرًا بنوه من بعده ومنهم كان امرؤ القيس الشاعر: أما نصرانية كندة فلا شك لفيها وقد أثبتنا ذلك في مقالة خصوصية حيث رددنا على مزاعم حضرة الأب أنستاس الكرملي في مزدكية امرئ القيس (راجع المشرق ٨ (ص٩٩٨ ١٠٠٦) وقد ذكرنا الكتابة التي وضعتها على صد ديرها هد الكبرى بنت الحارث الكندية حيث تفتخر بكونها "أمة المسيح وأم عبده (أي عمرو بن هند) وبنت عبيدة" (أي الحارث بن عمرو بن حجر ملوك كندة) وروينا أيضًا النصوص اليوناينة الني نقلها فوتيوس في مكتبته (Migne p.G.III،٤٦-٤٧) عن المعاهدات التي أبرمها ملوك الروم مملوك كندة عبد المسيح الكندي في رسالته إلى الهاشمي في أيام المأمون، وقد ذكر هذه الرسالة أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية (سص٠٥ من طبيعة ليبسيك) قال الكندي (سص١٢٤ من طبعة لندن سنة ١٨٨٠): "ولسنا نحب أن نفتخر بما لنا من السبق والنسق في العربية وشرف الآباء فيها إذا كان ذلك معروفًا غير مجهول لأبائنا غير مجهول لأبائنا وأجدادنا، فقد علم كل ذي علم ولب كيف كانت ملوك كندة الذي هم ولدونا وما كان لهم من الشرف على سائر العرب لكننا نقول ما قاله رسول اليوم فخر نفتخر به إلا دين النصرانية الذي هو المعرفة والعمل الصالح فإنه في غاية الفخر والشرف، فليس لنا ليوم فخر نفتخر به إلا دين النصرانية الذي هـ المعرفة بالله وبه نهتدي إلى العمل الصلح ونعرف الله حق معرفة ونتقرب إليه وهو الباب المؤدي إلى الحياة والنجاة من نار جهنم".
وقال في محل آخر (ص١٠٣) يشير إلى دين كندة أجداده: "ولولا أن الديانة عندي أشرف من الحسب الجسداني الزائل لكان يسعن السكوت.. لكني رجل نصراني ولي في هذه الديانة سابقة هي حسبي ونسبي وشرفي الذي أتشرف به وأفخر بمكاني منه وأرغب إلى الله في إماتتي على هذه الديانة وحشري علها فإنه في غاية أملي ورجائي الذي أرجو به الخلاص من العذاب في نار جهنم والدخول إلى ملكوت السماء والخلود فيها بفضله وإحسانه وسعة رحمته".
فصحّ إذن أن بلاد نجد لم تشذ عن سواها في قبول الدين النصراني فشاع فيها كما شاع في بقية أنحاء العرب، وبه ختم هذا الفصل الذي تحرينا فيه تاريخ النصرانية في جميع جهات العرب.
الفصل الثاني
في قبائل العرب المتنصرة
هذا فصل نجعه كتتمة الفصل السابق فنسرد على سياق حر المعجم أسماء البائل المتنصرة في عهد الجاهلية مع الأدلة على نصرانيتها: ١ "الأزد" اسم عام يشمل القبائل الحميرية نسبة إلى الأزد بن غوث ابن نبت ب مالك ن كهلان بن سبأ، ونصرانيتهم مثبتة بنصرانية القبائل المتفرعة منهم وهي القبائل التي خرجت بعد انفجار سد مأرب فسكنت في أنحاء الجزيرة وسيأتي ذكرها.
٢ "امرؤ القيس" بنو امرئ القيس من بني زيد مناة بن تميم، وممن صرح بنصرانيتهم ابن واضح المعروف باليعقوبي في تاريخه (ج١ ص٢٩٨) (ed.Houtsma) قال: "وتنصر من بني تميم امرئ القيس بن زيد بن مناة".
وإلى نصرانية بني امرئ القيس يشير ذو الرمة الشاعر حيث يقول:
1 / 54