ويؤيد رأي هؤلاء الكتبة في نثرانية الحنفاء أن معظم الذين ورد ذكرهم في التاريخ يقال عنهم أهم تنصروا، واشهرهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان ابن عم خديجة زوجة الرسول الإسلام ألأولى وقيل بل كان عمها أخا أبيها قال ابن هشام في سيرة الرسول (ed.Wustenfeld،p.١٥٣): "وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل" وقال الإسحاقي في تاريخه أكبر: "كان ورقة أمراءًا قد تنصر في الجاهلية ويكتب الكتاب العربي فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء أن يكتب".
ومنهم عبيد الله بن جحش بن رئاب، قال ابن هشام (ص١٤٣ ١٤٤): "هاجر عبيد الله مع المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأته أم حبيبة ابنة أبي سفيان مسلمة فلما تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هناك نصرانيًا، قال ابن إسحاق: فحدثني محمدج بن جعفر بن الزبير قال: كان عبيد الله بن جحش حيث تنصر يمر بأصحاب رسول الله ﷺ وهم هنالك في أرض الحبش فيقول: وصأصأ تم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد".
ومنهم عثمان بن الحويرث الذي ذكر نصرانيته اليعقوبي، وروى ابن هشام (ص١٤٤) عن ابن إسحاق قوله: "وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ونصر وحسنت منزلته عنده" كانت وفاته في الشام.
ومنهم زيد ن عمرو بن نفيل الذي ذكر ابن هشام (ص١٤٨) وصاحب الأغاني تردده في دينه واجتماعه بأحبار النصارى ورهبانهم بعد اعتزله الأوثان ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي ترى ديوانه محونًا بتعليم النصارى مع منقولات متعددة عن الأسفار المقدسة مسفر الخليقة وخلقة آدم وسقوط الأبوين الأولين بإغراء الحية والطوفان وذكر الأنبياء والملائكة والسيد المسيح ومريم العذراء.
وكان في مكة من النصارى غر هؤلاء الحنفاء منهم أبو قيس صرمة بن أبي أنس الذي روى عنه ابن الأثير في أسد الغابة (٣: ١٨) أنه "كان ترهب في الجاهلية ولبس المسوح".
ومنهم زيد بن حارثة مولى رسول المسلمين كان نصرانيًا ثم أسلم.
وكذلك ذكر صاحب الأغاني (١٥: ٢) نصرانية عتبة بن أبي لهب صهر نبي الإسلام.
وكان أبو فسيان زعيم مكة صهر البشر أخي أكيدر صاحب دومة الجندل وكان كلاهما نصرانيًا وبشر هو الذي علم أهل مكة الخط العربي.
ومما يفيد تاريخ النصرانية في مكة ذكر المعاملات التجارية التي كانت متواصلة بين أهلها ونصارى قبائل لعرب الواردين إليها والنصارى الحبشة وغيرهم فإن اختلاط أولئك النصارى بأهل مكة أثر فيهم تأثيرًا عظيمًا واجتذب كثيرين منهم إلى الدين المسيح ومما يؤيد ذلك أن أبا عامر الراهب الذي حارب رسول الإسلام لفي مكة وأحد قد لقي لمسلمين "في الأحابيش وعبدن أهل مكة" كما روى ابن هشام في سيرة الرسول ص٥٦١ ٥٦٢.
وفي كتاب الخراج (ed.th.Junynboll،I٨٩٦،p.٥٣) ما نقله الكاتب عن أبي الحويرث قال: "ضرب الرسول ﷺ على نصراني بمكة دينارًا كل سنة" وفي هذا دليل على بقاء النصرانية في مكة أيام النبي الإسلام.
ولم تخل مدن الحجاز من آثار النصرانية كالطائف على مسيرة يوم من مكة ومنها كان أمية بن أبي الصلت الشاعر النصراني ينتسب إلى ثقيف أهل الطائف، وكعكاظ التي كان يدجتمع في سوقها العرب فيتناشدون ويتفاخرون وهناك خطب قس بن ساعدة أسقف نجران كما رووا، وفي التقويم النسطوري (ص٨) الذي أشرنا إليه سابقًا فطبعه حضرة الخوري بطرس عزيز سنة ١٩٠٩ أن النساطرة كان لهم كنيسة في عكاظ مع جماعة من أهل دينهم والله أعلم.
*** وإن توغلت في قلب جزيرة العرب ورقيت م يرتفع في أوساطها من التلال والمشارف لقيت بلاد نجد التي أفاض شعراء العرب في مدحها لطيب هوائها وجودة تربتها كقول بعضهم:
فيا حبذا نجد طيب ترابه ... إذا هضبته بالعشي هاضبه
وريح صبا نجد إذا ما تنسمت ... ضحىً أو سرت جنح الظلام جنائبه
بأجرع ممراعِ كان رياحه ... سحاب من الكافور والمسك شائبه
واشهد اأنساه ما عشتُ ساعةً ... وما أنجاب ليلٌ عن نهار يعاقبه
ففي نجد وجهاته وجدت النصرانية لدعوتها قلوبًا تقبلتها بالترحاب فهناك كانت عدة قبائل عرفت بتدينها بدين السيد المسيح كطيء ولسكون والسكاسك وكندة وقد مر بك إن ثم كانت أديرة لرهبان النصارى كدير سعد في بلاد غطفان ودي عمرو في جبال طي قرب جو من ديارهم.
1 / 53