قال ووضع كفه على صورة عيس ابن مريم وأم ﵉ وقال: امحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي فرفع يديه عن صورة عيسى بن مريم وأمه.. وحدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد الرحملان عن ابن جريح قال: سأل سليمان بن موسى الشامي عطاء بن أبي رباح وأنا أسمع: أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى؟ قال: نعم أدركت فيها (كذا) تمثال (ص١١٢) مريم مزوقًا في حجرها عيس ابنها قاعدًا مزوقًا، وكانت في البيت أعمدة ست سواري وصفها كما نقطت في هذا التربيع".
قال وكان تمثال عيسى بن مريم ومريم ﵉ في العمود الذي يلي الباب: قال ىابن جريح فقلت لعطاء: متى هلك؟ قال: في الحريق في عصر ابن الزبير.. قال ابن جريح: ثم عاودت عطاء بعد حين فخط ل سواري ست كما خططن ثم قال: تمثال عيسى وأمه ﵉ في الوسط من اللاتي تيلين الباب الذي يلينا إذا دخلنا.. (ص١١٣)، أخبرني محمد ابن يحيى عن الثقة عنده عن ابن إسحاق عن حكيم بن عباد بن حنيف وغيره ومن أهل العلم أن قريشًا كانت قد جعلت في الكعبة صورًا فيها عيسى بن مريم ﵉، قال ابن شهاب قالت أسماء بنت شقر: أن امرأة من غسان حجت في حاج العرب فلما رأت صورة مريم في الكعبة قالت: بأبي أنت وأمي إنك لعربية، فأمر رسول الله ﷺ أن يمحوا تلك الصور إلا ما كان من صور عيسى ومريم".
وما ر واه هنا الأزرقي ذكره في كتبه آخرون كالهروي والبيهقي وابن العربي، وفيه شاهد جليل على تنصر قسم من قريش في مكة، ويؤيد ذلك أحمد بن واضح المعروف باليعقوبي في تاريخه (طبعة ليدن: ١: ٢٩٨) حيث قال: "أما ن تنصر من أحياء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى منهم عثمان بن الحويرث بن أسد ورقة بن نول بن أسد".
ولذلك ترى الشعراء النصارى في الجاهلية لم يأنفوا إذا حلفوا ن يجمعوا بين الصليب والكعبة قال عدي بن زيد (الأغاني ٢: ٢٤):
سعى الأعداء لا يألون رًا ... عليك وربّ مكة والصليب
وقال الأعشى: حلقت بثوبي راهب الدير والتي=بناها قصيٌّ والمضاض بن جرهمولعل ذلك أيضًا ما حمل نصارى العرب على أن يعظموا الكعبة في الجاهلية لما كانوا يرون فيها من الآثار النصرانية فضلًا عن ذكر إبراهيم الخليل الذي كان لزم هناك مع ابنه إسماعيل حيث جعل التقليد العربي ظهور ملاك الرب لأمه هاجر (تكوين ٢١: ١٧) في هذا المكان، قال ياقوت في معجم البلدان (٤: ٦٢٢) "وليست أمه في الأرض ألا وهم يعظمون.. وأنه من بناء إبراهيم حتى اليهود والنصارى".
ومما يدل تعلى آثر النصرانية في مكة أو قربها المكان المعروف بموقف النصراني ذكره في تاج العروس، وكذلك مقبرة النصارى، قال الأزرقي في أخبار مكة (ص٥٠١): "مقبرة النصارى دبر الملقع عل طريق بثر عنبسة بذي طوى" والملقع: "الجبل الذي بأسفل مكة على يمين الخارج إلى المدينة" ونظن أن: "مسجد مريم الذي ذكره المقدي في جغرافيته (ص٧٧) بجوار مكة دعي باسم مريم لعذراء لأثر ديني كان هناك في عهد الجاهلية".
ومما يثبت نفوذ النصرانية في مكة في عهد الجاهلية نهضة الخفيفة هناك فإن العلماء الذين درسوا في تعاليم تلك الشيعة وما بقي من أخبار أصحابها في تواريخ العري كسبرنغر (Sprenger) ولهوزن (Wellhasen (وكوساي برسفال (C.de perceval) وغيرهم فكانت نتيجة أبحاثهم أن الحنفية في الجاهلية كانت شيعة نصرانية خالطتها بعض تعاليم من غرها وربما أراد بها شعراء الجاهلية واكتبة القدماء النصرانية بعينها، قال شاعر هذيل (Hudheil I٨:II):
كأن تواليه بالملا ... نصارى يساقون لاقوا حنيفا
أراد بالحنيف الراهب يذهب النصارى لملاقاته، وروى صاحب الأغاني (ك١٦ ص٤٥) وياقوت ف معجم البلدان (٢:٥١) لأيمن بن خريم قوله فيوصف الخمرة:
وصهباء جرجانية م يطف بها ... حنيفُ ولم تنغر بها ساعة قدر
ولم يشهد القسُّ المهيمن نارها ... طروقًا ولا صلى على طبخها حبر
أراد بالخمر قربان النصارى والحنيف هنا بلا شك الراهب بدليل ذكره في البيت لثاني القس والحبر، ولعل أبا ذؤيب قصد أيضًا الراهب حيث قال مشيرًا إلى أصوام الرهبان (تاج العروس ٣: ٣٣٩):
أقامت به كمقام الحنيف ... مشهري جمادى وشهري صفر
1 / 52