فهؤلاء كلهم أو أكثرهم اختلطوا بعرب الجزيرة ونصّروهم ودعوهم إلى الدين المسيحي. وكانت سيرتهم الملائكية تؤثر في أهل البادية فكانوا يقصدونهم ويلتمسون صلواتهم ويطلبون منهم شفاء أمراضهم فينالون غالبًا ملتمسهم ويقبلون دين المحسن إليهم فيعتمدون وذلك منذ القرن الرابع كما تشهد عليه نصوص المؤرخين أمكن السمعاني أن يقول في مكتبته الشرقية (٥٩٨:٤): أن العرب الذين كانوا يسكنون في الجزيرة ونواحي الكلدان والخليج العجمي عدلوا إلى الدين المسيحي قبل السنة ٣٢٠ المسيح بمهمة أساقفة الرها والمادئن والرهبان المنتشرين بينهم وممن شهد على تنصّر العرب المؤرخ اليوناني سوزومان فقال في تاريخه (ك٦ ف٣٤) عن الرهبان: "إن هؤلاء النسّاك قد جذبوا إلى دين المسيح كل السريان تقريبًا وعددًا عظيمًا جدًا من الفرس والعرب بعد أن أنقذوهم من عبادة الأصنام".
وقد مرّ بك ما رواه تاودوريطس عن القديس سمعان العمودي وقبائل العرب التي تنصّرت على يده. وكان كثير منها تقاطرت إليه من لعراق واليمن فما قولك بالقبائل التي كانت قريبة منه كقبائل الجزيرة.
سادسًا: وكما شهدت كتبة السريان واليونان على النصرانية قبائل الجزيرة كذلك وافقهم كتبة العرب على هذا الأمر كما سترى.
اعلم مؤرخي الإسلام مع قلة ما كتبوا عن عرب الجزيرة في الجاهلية وذكروا غير مرّة نصرانيتهم وصرّحوا كما بيّنا سابقًا بنصرانية بني إياد بن نزار (المشرق ٨٨٩:١٤) سواء قيل أنهم تنصّروا قبل دخولهم في حكم الرومان أو بعد خروجهم من بلاد فارس إذ لحقوا بالجزيرة وكذلك اثبتوا نصرانية ربيعة المحتلين في ديار ربيعة وديار بكر.
قال ابن قتيبة في كتاب المعارف (طبعة مصر ص٣٠٥): "وكانت النصرانية في ربيعة".
وقال صاحب السيرة الحلبية (ج٣ ص٩٥): "ومن قبائل العرب لمتنصرة بكر وتغلب ولخم وبهراء وجذام". وبقيت بعض هذه القبائل على نصرانيّتها زمنًا طويلًا بعد الإسلام كما ترى في الآثار الباقية وفي كتب العرب والسريان بل ربما ذكروا أساقفة لبني معدّ وتنوح وعقيل وجاء في ترجمة ماروثا أسقف تكريت أنه جعل تحت حكمه ثلاثة أساقفة كانوا يدبّرون قبائل العرب وهم أسقف بيت رامان أو بيت رزيق ثم أسقف بني جرم وأسقف بني ثعلبة وكان نصارى غربي الجزيرة يترددون إلى مشهد القديس سرجيوس أو سرجيس الشهيد في الرصافة (Sergiopolis) ويعظمونه وكانت صورته مع الصليب على راياتهم الحربية. فقال الأخطل (اطلب ديوانه ٣٠٩):
لمّا رأونا والصليب طالعا ... وما سرجيس وموتًا ناقعا
وابصروا راياتنا لوامعا ... خلَّوا لنا راذان والمزارعا
وقال جرير:
فبالصليب ومارسرجيس تتقي ... شهباء مناكبٍ جمهورا
وقال أيضًا:
يستنصرون بمار سرجس وانهِ ... بعد الصليب وما لهم من ناصرِ
ثامنًا: ويؤيد شهداء العرب عن النصرانيّة في الجزيرة ما رووه عن أديرتها هناك فمعًا ذكره ياقوت (في معجم البلدان ٦٤١:٢ ٧١٠) دير الأبيض قرب الرها وهو مشرف على حرّان. ودير أحويشا بسعرت (قال: فيه ٤٠٠ راهب) . ودير باثاوا بقرب جزيرة ابن عمر. ودير باعربا الموصل والحديثة. ودير باغوث بين الموصل وجزيرة ابن عمر. ودير باطّا بين الموصل وتكريت. ودير باغوث بين الموصل وجزيرة ابن عمر. ودير باطّا بين الموصل وتكريت. ودير بانخايال (أو ميخائيل) في أعلى الموصل. ودير الرصاقة قرب الرقة. ودير الرّمان بين الرقة والخابور. ودير الزرنوق على فرسخين من جزيرة ابن عمر. ودير الزعفران (مرّ ذكره) . ودير زكّى على باب الرها. ودير صلوبا من قرى الموصل. ودير عبدون قرب جزيرة ابن عمر. ودير العذارى من أعمال الرقة بين الموصل وباجرمي. ودير قنسري على شاطئ الفرات في نواحي ديار مضر على أربعة فراسخ من منبج كان يسكنه ٣٧٠ راهبًا. ودير الكلب بين الموصل وجزيرة ابن عمر كان الناس يلتجثون إلى رهبانه إذ أصيبوا بداء الكلب فيبرأون. ودير لبّى على الفرات من منازل بني تغلب ودير مار سرجيس على الفرات ودير متى بشرقي الموصل شهير. ودير مار توما بميافارقين. ودير مار جريس فوق بلد بينها وبين جزيرة ابن عمر. ودير مار ماعوث على شاطئ الفرات. ودير مار يوحنا إلى جانب تكريت على دجلة. ودير منصور مطل على نهر الخابور ودير يونس في جانب دجلة مقابل الموصل.
1 / 43