"ثم تأتي الفرات من بلد الروم شاقًا في طرف الشام على التواء إلى العراق فغربيه ديار كلب وشرقيه ديار مضر (فيها) من المدن الرافقة وهي على شط الفرات يسكنها أخلاط مضر. وحران موضع آلة القياس مثل الاسطرلابات وغيرها ... لبني تميم ومن يخالط بني سليم. والرها لبني سليم وكنيسة الرها التي يضرب بها المثل. ومربعا والخابور لبني عقيل أعلاه ولبني مالك وبني حبيب وبطون تغلب الباقي. ثم آخر ديار مضر رأس العين للنمر بن قاسط.
(ديار ربيعة) وما خلفها. أولها وآخر ديار مضر رأس العين ثم كفرتوثا لجشم عن أياسرها مارة من موضع الجنات المضروب بها المثل وهي تطل على دارين ثم نصيبين. وهي دار آل حمدان موالي تغلب. فمن نصيبين إلى أذرمة والسميعية مسيرة يوم وعن ايمن ذاك جبل سنجار جبل شراة بين تغلب والشراة منها بنو زهير وبنو عمرو وثم من أيمن ذلك دهنًا إلى رحبة مالك بن طوق وقرقيسيا ثم ترجع إلى أذرمة إلى برقعيد وهي ديار بني عبد من تغلب ... ثم منها إلى بلد شراة وغير ذلك إلى حد الموصل. وإن أردت بعد أرض الموصل مررت بتكريت وكان (نهر) الثرثار عن يمينك. وأكثر أهل الموصل مذحج وهي ربعية فإن تياسرت منها وقعت إلى الجبل المسمى بالجودي يسكنه ربيعة وخلفه الأكراد وخلف الأكراد الأرمن. وإن تيامنت من الموصل تريد بغداد لقيتك الحديثة وجبل بارما يسمى اليوم حمرين..
ثن السن والبوازيج بلاد الشراة من ربيعة ثم يقع في جبل الطور البري وهو أول حدود ديار بكر وهو لبني شيبان وذويها لا يمازجهم إلى ناحية خراسان إلا الأكراد".
فإذ عرفت حدود الجزيرة والقبائل العربية المنتشرة فيها بقي علينا أن نبين ما كان للنصرانية من النفوذ بينها فنقول: إن أول برهان يثبت دخول النصرانية بين عرب الجزيرة ما أصاب هذا الدين من الانتشار السريع الغريب في ما بين النهرين كما تصرح به كل الآثار التاريخية والكتابية والبنائية كالكنائس الباقية إلى يومنا الراقية إلى القرن الرابع والخامس للمسيح وكصوامع الرهبان ومغاورهم. فلا يقبل العقل أن عرب الجزيرة لم ينالوا من الدعوة المسيحية حظهم كما أصابه أخوتهم في بادية الشام وفي اليمن والعراق ولهم في شظف عيشهم وسلامة طباعهم ما يعد قلوبهم لقبول ذلك الزرع الإلهي الذي أتى به ابن الله إلى الأرض وبذرة في التربة الجيدة ولاسيما بعد أن عاين أهل الجزيرة مع العرب (أعمال ٢: ٩ ١١) المعجزات التي جرت يوم حلول الروح القدس في أورشليم.
ولنا دليل ثان على تدين عرب الجزيرة بالنصرانية بعد نبذهم لشرك الوثنية ألا وهو الغيرة الملتهبة التي كانت في قلوب الرسل والدعاة الأولين للنصرانية فإن بعضهم بلغوا إلى أقاصي الأرض كما رأيت فما قولك بالبلاد المجاورة لليهودية التي كثرت فيها المعاملات مع فلسطين منبع الدين المسيحي.
ثالثًا وإن استفتينا التواريخ القديمة والتقاليد المحلية والطقوس السريانية وجدناها كلها تتفق على ذكر دعوة العرب إلى الإيمان بالمسيح كدعوة بقية أهل الجزيرة. قال عبد يشوع الصوباوي في ذكر ادي رسول الجزيرة ما تعريبه: "قد اقتبلت الرها ثن نصيبين وسائر العرب وكل تخوم الجزيرة الكهنوت المقدس من ادي أحد السبعين تلميذًا". وقال إيليا الأسقف الدمشقي يذكر ادي وتلميذه ماري: "وكان الداعي والمنصر والمتلمذ والمدبر بالجزيرة والموصل وأرض بابل والسواد ... ونواحي الأعراب من التلاميذ السبعين ادي وماري. وقال ماري بن سليمان (ed. Gismondi، p.٢): "وتوجه آحي وماري (تلميذا ادي) إلى نصيبين وأعمدا أهلها وأنفذ ماري إلى المشرق وآحي إلى قردى وبازبدى ثم توجه ادي إلى المشرق وبدأ بناحية حزة والموصل وباجرمي وعاد إلى مدينة الرها واستناح فيها بعد ١٢ سنة.." وقال أيضًا: "وادي قصد مع آحي وما ماري بلاد الرها والموصل وبابل والشمال والجنوب وبوادي المغرب (والصواب: العرب) ". وجاء في أخبار فطاركة كرسي المشرق لعمرو بن متىت الطيرهاني (ص١ éd. Gismondi) مصرحًا: "ثم إنه (أي ماري) بادر إلى تلماذ جميع نواحي أرض بابل والعراقين والأهواز واليمن والجزائر وبلاد العرب سكان الخيم ونجران وجزائر بحر اليمن".
1 / 41