وفي هذا الزمان عرف القديس ماروثا رئيس اساقفة مياَّ فارقين الذي حظي لدى ملك العجم ازدشير الثاني وابرأ ابنته من داء عقام فنالت من أبيها الحرية التامة لنشر النصرانية ف يالعجم. وماروثا من كبار القديسين الشرقيين والمدافعين عن الإيمان المستقيم بهمته عقد مجمع ثانٍ في المائن سنة ٤٥٢٠ لاثبات عقائد الإيمان وحرم نسطور وفيه أيضًا أصبحت جهات الجزيرة ولا سيما العراق العربي كصعيد آخر بلغ فيها عدد الزهاد إلى ما تجاوز كل احصاء. فكانت الأديرة كمدن واسعة يسكنها ألوف من الرهبان يقضون فيها الحياة في الصلاة والشغل. ولو راجعت الفصل الذي خصه البكري في معجم ما استعجم (٣٥٨ ٣٨١) وياقوت الحموي (٢: ٦١٠ ٧٣٩) وغيرهما بهذه الأديرة لرأيت أن بلاد العراق كان لها نصيب كبير منها وهم لم يذكروا غالبًا الا ما ورد اسمه في شعر الشعراء كدير الأبلق في الأهواز ودير أبي يوسف فوق الموصل قريب من بلد وديارات الأساقف بالنجف بين قصري أبي خصيب والسدير وديري الأسكون بالحيرة وقرب واسط كانت فيهما مدارس للعلوم الدينية ودير اشموني نقرب بغداد ودير الأعلى بالموصل على جبل مطل على دجلة ودير باشهرا بين سامرا وبغداد ودير باعربا بين الموصل والحديثة على شاطئ دجلة ودير ميخائيل ودير الثعالب منسوب على ما نظن إلى بني ثعلبة المنتصرين قريب من بغداد عند الحارثية ودير الجرعة بالحيرة ودير الخوات بعكبرا ودير الخنافس على قلة جبل تشرف على دجلة ونينوى ودير درتا غربي بغداد ودير الدهدار بنواحي البصرة ودير النرندورد في الجانب الشرقي من بغداد ودير ستابور غربي دجلة ودير سمالو وكلاهما قرب بغداد ودير السوسي ينواحي سر من رأي (وهي سامرًا) ودير الشاء بأرض الكوفة ودير صباعي شرقي تكريت ودير الطواويس بسامرًا ودير العاقول بين مدائن كسرى والنعمانية ودير العجاج بين تكريت وهيت ودير العلث ودير فيثون وكلاهما بسامرًا وديري القباب ةقةطًا من نواحي بغداد ودير القيارة عند الموصل ودير كردشير بين الري وقم ودير كوم من أعمال الموصل ودير مار فثيون بالحيرة أسفل النجف ودير مار سرجيس قرب سامرًا ودير متى قرب نينوى ودير مديان على نهر كرخايا قرب بغداد ودير مر جرجس بالمزرفة قرية من منتزهات بغداد ودير مر ماري من نواحي سامرًا ودير مر يحنا جانب تكريت ودير ملكيسارا فوق الموصل ودير هوقل في جهات البصرة وغيرها أيضًا تؤيد كثرتها ما قلنا عن انتشار النصرانية في العراق.
والعرب لم يعرفوا فقط هذه الأديرة ورووا اسماءها في أشعارهم أو ذكروها في جملة أخبارهم بل نسب كثير منها الهم أو لوقوعها في ديارهم أو لأنهم عنوا بتشييدها وكل ذلك ما يزيد بيانًا قولنا في نفوذ النصرانية بين عرب العراق.
فمن ذلك ما ذكره البكري وياقوت أيضًا كدير ابن براق بظاهر الحيرة ودير ابن عامر ودير ابن وضاح ويسمى أيضًا دير مر عبدًا بناه بذات الأكيراح من نواحي الحيرة عبدًا بن حنيف بن وضاح اللحياني، ودير حنظلة المنسوب إلى حنظلة بن عبد المسيح بن علقمة بن مالك من بني لخم. ودير حنة دير قديم في الحيرة منذ أيام بني المنذر لقوم من تنوخ يقال لهم بنو ساطع. ودير حنة آخر بالاكيراح بناحية البليخ ذكره البكري (٣٧٢) ثم قال: "والاكيراح موضع أيضًا موضع ايضًا بالحيرة فيه دير بناه عبد بن حنيف من بني لحيان الذين كانوا من لخم وملك الحيرة منهم ملكان". ودير خندف وهي ليلى بنت حلوان القضاعي ام ولد الياس بن مضر بن نزار. ودير السوا المنسوب إلى رجل من اياد وقيل إلى بني حذافة، ودير عبد المسيح المنسوب إلى عبد المسيح ابن عمرو بن بقيلة الغساني الشاعر واحد المعمرين موقعه في ظاهر الحيرة. ودير العذارى بين سر من رأى والحظيرة وكان يسكنه عدد من ابكار العباديين وعرب النصارى. روى ياقوت (٢: ٦٨٠) والبيروني في كتابه الآثار الباقية "أن أحد ملوك الحيرة اراد أن يختار منهن له نسوة فصمن ثلاثة أيام بالوصال فمات ذلك الملك في آخرها ولم يمسسهن ومذ ذاك أخذوا يصومون هذا الصوم المعروف بصوم العذارى". ودير علقمة بالحيرة منسوب إلى علقمة بن عدي بن الرميك من بني لخم ودير عمرو في جبال طيء. ودير قرة المنسوب إلى قرة أحد بني حذاقة بن زهر ابن اياد. ودير اللج للنعمان ملك الحيرة. ودير هند الكبرى وهند الصغرى وسنعود إلى ذكرهما.
1 / 35