ومما يدل على نصرانية اليمامة مقاومة أهلها للمسلمين تحت قيادة مسيلمة الذي عرف بالكذاب وكان نصرانيًا هو وسجاح التغلبية امرأته. وقبل أن أمر مسيلمة المذكور قد تفاقم حتى خاف المسلمون فتنته وكان يتلو قرآنًا كرسول المسلمين ذكره عبد المسيح الكندي في رده على الهامشي (ص٨٧ من طبعة اكسفرد) فدخل عليه قوم ليلًا واغتالوه وكفروا شره.
هذه بعض شواهد على وجود النصرانية في البلاد العربية المتوسطة بين اليمن والعراق المجاورة لبحر الهند وخليج العجم وفيها دلائل كافية على ما كان للدين المسيحي من النفوذ في تلك الجهات التي لم يفدنا عنها المؤرخون إلا الفوائد الزهيدة النصرانية في العراق الباب السابع النصرانية في العراق ان صعدت من بلاد البحرين وجهات الاحساء انتهى بك المسير إلى مفاوز واسعة يحدها شرقًا خليج العجم وغربًا بوادي قحلة جرداء لكن شمالها أراضٍ طيبة كثيرة الخيرات تعد من أخصب بلاد الله يسقيها النهران الكبيران الفرات ودجلة فيجعلانها جنات غناء تزاحمت على ملكها الأمم القديمة من بابليين وكلدان واشوريين وشبعت من دسمها ووفرة غلاتها. وكان العرب يدعون تلك الأنحاء بالعراق ويخصون باسم السواد الأرياف المجاورة لبوادي العرب.
والعرب منذ سالف الإعصار كانوا لا يزاولون يراقبون لتلك البلاد طامعين في ثروتها حتى إذا وجدوا غرة من عمال الأمم الملكة عليها غزوتها وبسطوا أيديهم إليها ريثما يزحف إليهم من يردهم إلى بواديهم. وكان ملوك العراق في الغالب يفضلون محالفتهم فيجعلون كحرس ثغورهم وسور مملكتهم على شرط أن يعطوا حظهم من مستغلات تلك الجهات ويسرحون في مراعيها قطعانهم.
لكن القبائل المحالفة لمماليك العراق كان يحسدها على هناء عيشها غيرها من العشائر فتسير إليها من الجنوب ولا تزال تزاحمها إلى أن تغلبها على منازلها فتسكنها معها أو بدلًا منها. ومن القبائل التي ذكرها المؤرخون ووصفوا سيرها إلى سواد العراق قبائل يمنية من الازد تركوا بلاد اليمن سواء كان ذلك لانفجار سد مأرب على قولهم أو لأسباب أخرى كالمزاحمة وتوفر النسل فعدل قسم منها إلى غرب البلاد نحو الشام وهم الغسانيون تحت امرة جفنة بن عمرو بن ثعلبة وتوقل القسم الآخر في الشمال تحت قيادة مالك بن فهم واذ وجدوا في تلك الجهات عشائر من اياد ولخم وغيرهما انضموا إلى بعضها وقهروا البعض الآخر حتى رسخت ثمَّت قدمهم وثبتت كلمتهم بل أخذوا يسعون في ضبط زمام السلطة على كل القبائل التي هناك ففازوا بمرغوبهم وانشأوا لهم دولة تعرف بدولة المناذرة كان أول ملوكها جذيمة الأبرش فاستولى على جهات السواد الواقعة غربي الفرات واتخذ له مدينة الأنبار كقاعدة ملكه ثم نقلها خلفاؤه من بعده إلى الحيرة ولم يزالوا يتتابعون في الملك عليها إلى ظهور الإسلام فغلب خالد بن الوليد ملكها الأخير المنذر بن النعمان أبي قابوس سنة ١١ للهجرة (٦٣٣م) . وكان ملوك الحيرة في مدة دولتهم مخالفين لملوك العجم من السلالة الساسانية بينما كان أخوتهم الغسانيون احلافًا للروم في بادية الشام.
وان اعتبرنا دين عرب العراق وجدنا الشرك شائعًا بينهم كما في بقية جهات العرب وجرت عندهم عبادة الكواكب والسيَّارات السبع كما ألفها عرب اليمن والكلدان أهل العراق ولعله دخل في دينهم أيضًا شيء من ديانة المجوس كتعظيم الشمس والنيّرات.
1 / 29