"البحرين" هي البلاد الساحلية الواقعة في شرقي جزيرة العرب على سواحل خليج العجم حيث مغاص اللؤلؤ الشهير كان أهلها في الجاهلية من بني عبد القيس وهي إحدى القبائل المعروفة بنصرانيتها قال الشاعر ذو الرمة في بعض أحيائها (اطلب نسخة مكتبتنا الخطية ص ٥٧):
ولكنَّ أصلَ امرئ القيس معشرٌ ... يحلُّ لهم أكلُ الخنازير والخمرُ
وفي البحرين مغاص اللؤلؤ الشهير الذي لا يزال أهل تلك الأنحاء يستخرجون منه الدرر الثمينة وقد مررنا به في رحلتنا من بغداد إلى الهند. ولأهل البحرين عادات نصرانية تناقلوها أبًا عن جد حتى اليوم وأشار إليها السياح الألمانيون الذين طافوا تلك البلاد حديثًا كصورة الصليب يرسمونها على جبهاتهم أو يطبعونها بالوشم على أعضائهم وكأكرامهم للخبز ذكرًا بالقربان الأقدس. وقد لحظ ذلك منهم أحد آباء رهبانيتنا منذ ثلاثين سنة في دمشق وكان قوم منهم قصدوها للارتزاق.
وكانت بلاد البحرين والإحساء المجاورة لها تحت حكم الفرس منذ ظهور الإسلام وكان أهل الأرض كما أثبت ياقوت في معجم البلدان (١: ٥٠٨) "من المجوس واليهود والنصارى" وكان العامل عليها أحد بني تميم المتنصرين اسمه المنذر ابن ساوي. ومن أشرافها النصارى عند ظهور الإسلام بشر بن عمرو المعروف بالجارود وكان سيد عبد القيس والمؤرخون العرب يذكرون أنه مسلم ومات سنة ٦١ هـ (٦٨١م) .
وكان للنساطرة في بلاد البحرين اساقفة وخصوصًا في قطر وهم يسمونها بيت قطرايا وقد ذكروا في مجمعهم الذي عقده سنة ٥٨٥ الجاثليق يشو عياب أهل البحرين المنتصرين ويأمرونهم بالكف عن الشغل يوم الأحد إن أمكنهم الأمر وإلا اعفوهم م ن ذلك لأجل الضرورة. وقد ثبت هؤلاء النصارى على دينهم بعد الإسلام كما يظهر من مجمع آخر نسطوري عقد سنة ٥٧ هـ (٦٧٦م) دبر فيه الآباء عدة أمور دينية. ومنه يظهر أن بلاد البحرين كانت حافلة بالكنائس والأديرة ودعاة الدين وكان إذ ذاك على قطر اسقف اسمه توما.
وكان لقصبة بلاد البحرين وهي هجر اسقف يدعى اسحاق ذكر في مجمع النساطرة سنة ٥٧٦ ثم ذكر اسقف آخر يدعى فوسي سنة ٦٧٦.
زمن جزائر البحرين دارين ويقال ديرين ذكرها في تواريخ النساطرة ثلاثة اساقفة وهم بولس سنة ٤١٠ ويعقوب سنة ٥٨٥ ويشوعياب سنة ٦٧٦.
ومنها أيضًا جزيرة سماهيج (وفي السريانية مشمهيج) في وسط البحر بين عمان ولابحرين (ياقوت ٣: ١٣١) كانت فيها كنيسة مسيحية وفي المجامع النسطورية (Chabot، ٢٧٣، ٢٧٥، etc) أسماء ثلثة اساقفة تولوا تدبيرها وهم باطلي والياس (٤١٠) وسركيس (٥٧٦) .
ومن مدن الاحساء الخط وهي بلدة تنسب إليها الخطيَّة وكان الفرس يدعونها بيت اردشير وكان للنساطرة فيها كنائس ذُكر من اساقفتها اسحاق سنة ٥٧٦ وشاهين سنة ٦٧٦.
(اليمامة) وربما سميت بالعروض والجو وتلحق بإقليم الأحقاف وهي مفاوز متسعة في الجنوب الغربي من عمان بين الاحساء شرقًا والحجاز غربًا كانت قصبتها.
تاريخ النصرانية في جزيرة العرب حُجْر بفتح فسكون كبيرة، والعرب يجعلون فيها قومًا من الجبابرة من طسم وجديس. وما لا ينكر النصرانية انتشرت في تلك الأنحاء بعد قسطنطين الكبير فان عمرو بن متى في كتاب فطاركة الشرق ذكر أن عبد يشوع السائح بشَّر بالنصرانية في جهات اليمامة في آواخر القرن الرابع للمسيح.
وكان معظم سكان اليمامة قبل الإسلام بني حنيفة ممن يشهد الكتبة المسلمون على نصرانيتهم وكان يملك عليهم قبل ظهور الإسلام بقليل هوذة بن علي الذي كان أسر قومًا من بني تميم ثم اطلقهم يوم عيد الفصح كما ذكر ابن الأثير في تاريخه (ج١ ص٢٦٠ من طبعة مصر) فقال الأعشى يمدحه لفعله:
بهم يقربُ يومَ الفصح ضاحيةً ... يرجو الالهَ بما أسدى وما صنعا
على أن بعض الكتبة زعموا أن بني حنيفة كانوا يعبدون صنمًا من عجين ثم آتت عليهم سنة فآكلوه فهجاهم البعض بقوله:
أكلت حنيفة ربها زمن التقحُّم والمجاعهْ ... لم يحذروا من ربهم سوء العقوبة والتباعهْ
وعندنا أن هذه الشكوى باطلة وأن الذين نسبوا إلى بني حنيفة أكل صنم من عجين إنما خذعوا بما رأوه من تقربهم من القربان الأقدس فان الأصنام لا تتخذ من العجين ولا تسد جوع كثيرين في أيام القحط فضلًا عن كون الأقط اليابس العتيق لا يصلح لأكل.
1 / 28