إن بلاد حضرموت وعمان واليمامة والبحرين مجاورة لليمن فكان ملوك اليمن إذا قويت شوكتهم طمحوا إليها بالأبصار وأخلوها في سيطرتهم. إلا أن أخبار تلك الجهات نادرة جدًا لايعرف إلا القليل من أمورها السياسية والأدبية والدينية.
"حضرموت" ومنها بلاد مهرة ما وقع من جزيرة العرب شرقي اليمن بين اليمن وبحر الهند. روى ابن خلدون في تاريخه أسماء دولة مستقلة ملكت عليها بعد المسيح إلى أيام الحبشة فلما صارت اليمن في حوزة الحبش ملكوا أيضًا حضرموت ولذلك لم يذكر ابن خلدون لحضرموت أمراء بعد دخولهم إلى اليمن فنوه بسكوته إلى أنها دخلت في حكم الحبش. فلابد إذن من أن يقال أن النصرانية دخلت أيضًا في حضرموت مع أولئك الفاتحين بل دخلت قبلهم والدليل عليه أن قسمًا كبيرًا من كندة كانوا يسكنون في حضرموت ومعلوم أن النصرانية كانت الديانة الغالبة على كندة كما سترى.
ثم إنه كان لحضرموت عدة مدن ساحلية ذكرها بطليموس الجغرافي كانت تقام فيها أسواق تجارية تقصدها الروم وغيرهم فكان أهل حضرموت يختلطون بتجار النصارى القادمين من أنحاء شتى فيدينون بدينهم. وكان يسكن بعض هؤلاء النصارى الجزائر المجاورة التي لدينا شواهد على نصرانيتها قبل الإسلام بزمن مديد.
قال قزما الرحالة (Cosmas، P. G.، T. ٨٨، col. I٦٩): "وفي جزيرة تابروبانا التي يدعوها أهل الهند سيدليبا (وهي سيلان يدعوها العرب سرنديب) في بحر الهند كنيسة للنصارى مع عدد من الأكليريكيين والمؤمنين. وكذلك في مالي (ملبار) حيث يجنى الفلفل. وفي جزيرة كاليانا أسقف يسام في العجم ويرسل إليها. وفي جزيرة ديوسقريدس (وهي سقطرى القريبة من سواحل العرب) كذلك أكليريكيون يرسمون في العجم وهناك جم غفير من النصارى.. وخدمة الدين النصراني في تابروبانا يرسلون أيضًا بعد سيامتهم".
وما يدل على علاقات هؤلاء النصارى مع سواحل العرب ما قرأناه في كتاب سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري في أنساب العرب الذي مر ذكره (ص١٠٦) عن مهرة وسقطرى: وبجزيرة سقطرى من جميع القبائل من مهرة وهي جزيرة طولها ٣٠٠ فرسخ وبها العنبر السقطرى ... وكان أهلها من أولاد الروم فدخلوا في نسب القمر من مهرة وهم معروفون.
(قال) وبها عشرة آلاف مقاتل كانوا نصارى وذلك أنهم يذكرون أن قومًا من بلد الروم طرحهم بها كسرى فعمروا بذلك الموضع حتى عبرت إليهم مرة فغلبت عليهم وعلى الجزيرة.
(قال) وقد يقولون أنه لم يكن بها روم ولكن رهبانية على دين الروم من النصرانية ثم دخلتها الشراة من مهرة وحضرموت وقتلوا من بها.
وقد بقي قوم من النصارى في سقطرى حتى القرن السادس عشر كما ورد في رسالة للقديس فرنسيس كسفاريوس كتبها عند سفره إلى الهند وكان نزل إلى سقطرة ورأى فيها بقايا النصرانية فألحوا عليه بأن يسكن عندهم فلم يمكنه الأمر.
ويثبت انتشار النصرانية في حضرموت ما جاء في كتاب طبقات ابن سعد في فصل الوفادات فذكر وفد حضرموت وأورد قول أحد الوافدين اسمه كليب بن أسد:
أنت النبيّ الذي كنَّا نخبَّرهُ ... وبشَّرتنا بك التوراةُ والرسلُ
فكفى بهذا دليلًا على وجود النصرانية في حضرموت.
"عمان" شمالي حضرموت واقعة على شواطئ بحري الهند والعجم وحاضرتها صحار وكانت النصرانية دخلت إليها بواسطة دعاة أتوها من العراق. وفي التواريخ الكلدانية أسماء أساقفة كانوا في عمان منذ القرن الخامس وهم يدعونها مزون كما دعاها أيضًا العرب ونبه إليه ياقوت في معجم البلدان (٤: ٥٢١) فممن ذكروه يوحنان سنة ٤٢٤ وداود (٥٤٤) وشمويل (٥٧٦) واسطفان (٦٧٦) .
وفي جملة الرسائل التي بعث بها رسول الإسلام إلى الملوك رسالة وجهها إلى ملك عمان المسمى جيفر بن الجلندي من أزد عمان كان نصرانيًا هو وأخوه عباد ويقال عبد وعبيد. فنصرانية الملك تشير إلى نصرانية البلاد الخاضعة له.
وكان في عمان أديرة للنصارى يشير إليها صاحب الأغاني. وجاء في تاريخ ابن الأثير (١: ٢٣٤) أن قيس بن زهير "لما تنصر ساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها".
1 / 27