والسدس الضواضئ المحبا
من عدم المرعى قد اجلعبا
قال ابن السيرافي قال خداش بن زهير
ألا جفان ولا فرسان غاديةً ... إلا تجشؤكم عند التنانير
أنتم مجاهيل حرامون ثاويكم ... وفي الحروب مقاليعٌ عواوير
قال: هجا خداشٌ بهذا الشعر قومًا من بني سهم، من أجل مسابقة كانت بينه وبينهم.
قال س: هذا موضع المثل:
لا يمنع الحي في الخابور إذا فزعوا ... إلا فوارس أمثال ابن حمران
كنت قد ذكرت لك في عدة مواضع: أن من لم يكن ضابطًا لأنساب العرب وأيامهم، وأفاض في تفسير مثل هذا من الشعر - استهدف للسان الطاعن.
غلط ابن السيرافي ها هنا من جهات: منها أنه ذكر أن خداشًا خاطب بهذا الشعر قومًا من بني سهم، وإنما خاطب بها قومًا من بني تيم الأدرم.
ومنها أنه ذكر أن المسابقة كانت بين خداش وبينهم، وإنما كانت المسابقة بين بني العرقة من تيم الأدرم، وبين كرز بن ربيعة بن عمرو بن عامر، وهو من رهط خداش. ثم إنه لم يعرف القصة فيتبين المعنى، ويشفى المستفيد.
وكان من قصة هذا الشعر: أنه كان أول ما هاج بين قريش وبين بني عامر ابن صعصعة - أن كرز بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، راهن أسيدًا وعمرًا وعبد الله بني العرقة، من بني تيم بن غالب وهو تيم الأدرم - على فرسٍ لهم يقال له البرق، والسيق ثلاثون معها مثلها، ليس فيها حذاء ولا حراء ولا أباء ولا حنفاء ولا ذات عوار، وجعلوا المدى والمضمار إلى كرز.
فجعل المدى ما بين السجسج إلى ذات الفلج من سواء كشت، وجعل آخر المضمار بياض ركبة فلامه قومه فقال: والله ما أخاف عليكم منه من شيء: ما غيل قط، ولا تفرع في كل مكان صينٍ قط، وإنه ليصبح في جمته. غير أنه قد كان به رهصة رهصها وهو فلو، ثم ما زالت في دهن، وإنه اليوم لرباع. فإن تنخرق قبل أن يجري ميلًا يجئ سابقًا، وإن تمكث كما هي فلا أدري.
فأرسلوا الفرسين، وحمل كرز على فرسه: المجالد بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر، فلم يجر ميلًا حتى تخرقت الرهصة فجاء سابقًا، وهلك البرق في ركبة، فأخذ السيق. فناشدوه رحم مجد بنت تيم بن غالب وهي أم بني ربيعة بن عامر بن صعصعة، فأبى أن يرد السيق. فلبثوا قريبًا من سنتين.
ثم ركب بنو العرقة، فلقوا: أسيد بن مالك، وعمرو بن مالك، وعثمان بن أسيد من بني عامر بن ربيعة بأسفل العقيق في إبل لهم، فيها بكرة فوارة يقال لها العنب، عشراء، فطردوا الإبل، فاستقبلها عثمان بن أسيد ينفر بها بثوبه، وبعث الأمة نحو أبيه وعمه مغوثًا، فركب أبوه فرسًا كبيرة، وركب عمه بنتها فرسًا صعبة.
فلما لحق بالقوم قال عمرو بن مالك: أعلمونا من أنتم؟ قالوا قريش. قالوا وأيهم؟ قالوا بنو العرقة. قالوا فهل كان من حدث؟ قالوا: لا إلا يوم البرق. فقال لهم: احبسوا العنب، احبسوا اللقحة لقحة من لا يغدر، فقال لهم عمرو: لا والله لا ترضع منها قادمًا ولا آخرًا. قال: إنا لا نرضع الإبل ولكن نحتلبها، وحمل عليه فقتله، وحمل أسيد بن مالك على أسيد ابن العرقة فقتله. فقال في ذلك:
إني كذاك أضرب الكمي
ولم يكن يشقى بي السمي
فذلك يوم العنب.
وقال خداش بن زهير في ذلك:
نكب الكماة لأذقانها ... إذا كان يومٌ طويل الذنب
كذاك الزمان وتصريفه ... وتلك فوارس يوم العنب
ثم وقع بينهم بعد ذلك التغاور والقتال، فقال في ذلك خداش بن زهير:
أبلغ أبا كنفٍ إما عرضت به ... والأبجرين ووهبًا وابن منظور
ألا جفان ولا فرسان عاديةً ... إلا تحشؤكم عند التنانير
ثم احضرونا إذا ما احمر أعيننا ... في كل يومٍ يزيل الهام مذكور
تلقوا فوارس لا ميلًا ولا عزلًا ... ولا هلابيج رواثين في الدور
تلقوا أسيدًا وعمرًا وابن عمهما ... ورقاء في النفر الشعث المغاوير
من آل كرزٍ غداة الروع قد عرفوا ... عند القتال إلى ركنٍ ومحبور
يحدون أقرانهم في كل معتركٍ ... طعنًا وضربًا كشقٍ بالمناشير
فاسأل فوارس منكم يوم ذي سرفٍ ... عنكم وفرسانكم يوم اليعامير
1 / 50