فاقتتل القوم قتالًا شديدًا، فقتل الحصين، وصبر الفريقان جميعًا، فتهيأت بنو الحارث للفرار، وتضعضعت أرحب - وقد كانوا أحضروا النساء معهم فجعلوهن خلف ظهورهم - فلما رأت أرحب النساء قد بدت خلاخيلها للفرار؛ عادوا للقتال وقالوا: لا نفر حتى يفر يغوث. وصبروا للقوم، وصبرت بنو الحارث عليهم، فانهزمت مراد، واستذرع القتل فيهم، وسبوا نساءً من نسائهم، فأدرك الإسلام وهن في دور همدان.
وقتل يومئذ المثلم رئيس مراد، وعزيز وقيس ونمران وسمي المراديون. وقتل في ذلك اليوم الحصين بن يزيد الحارثي. فقال في ذلك يزيد ابن ثمامة الأرحبي:
لقد علم الحي المصبح أنني ... بجنب أياءٍ غير نكس مواكل
تركت عزيزًا تحجل الطير حوله ... وغشيت قيسًا حد أبيض قاصل
ونمران قد قضيت منه حزازةً ... على حنقٍ يوم التفاف القبائل
عكبٌّ شفيت النفس منه وحارثٌ ... بنافذةٍ في صدره ذي عوامل
وأردت سميًا في المكر رماحنا ... وصادف موتًا عاجلًا غير آجل
قال س: إذا لم يعرف معنى القصة لم يعرف معنى البيت:
فإن نهزم فهزامون قدمًا ... وإن نغلب فغير مغلبينا
قال ابن السيرافي قال النابغة الجعدي
إلا كمعرضٍ المحسر بك ... ريه يسببني على الظلم
قال: معناه، لكن معرضًا يدور في الأحياء يشتمني، ومعرض ليس بسوار، ولا مستثنى منه، فهو استثناء بمعنى لكن. وقوله " المحسر بكريه " تثنية بكر، والبكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس.
قال س: هذا موضع المثل:
يخبطه تارًا وتارًا يلبطه
كأنما يكرمه أو يسفطه
تكلم ابن السيرافي على هذا البيت بما يوهم أنه أصاب فيه، وجاء بمغزى المستفيد. ولقد طاش سهمه، فإنه لم يذكر معرضًا من أي قبيلة هو وتركه مجهولًا، وذكر أن البكرين هنا تثنية بكر، وأنه الفتي من الإبل.
ومعرض ها هنا رجل من بني الحريش، أمر رجلين من بني الحريش أن يشتما النابغة، وهما بكراه، فهذا معنى قوله: " إلا كمعرض المحسر بكريه ".
قال ابن السيرافي قال الأعشى
وأهل جوٍّ أتت عليهم ... فأفسدت عيشهم فباروا
ومر دهرٌ على وبار ... فهمدت جهرةً وبار
قال: وبار، زعموا مدينة كانت الجن تسكنها، وقيل: وبار موضع بالدهناء، وزعم بعضهم أنها بلاد كان بها إبل حوشية، ونخل كثير ليس له من ينزع كربه ولا يجتني ثمره. وأن رجلًا وقع إليها، فركب فحلا من ذلك الإبل، وذهب نحو أرض قومه فتبعته الإبل.
قال س: هذا موضع المثل:
قد جئت يا بحشر بالبجري
حيث توفى ثلل الركي
تكلم ابن السيرافي في هذا البيت وأكثر، فتحير فيه وحير، ثم جاء بحديث أمتين بكذب ومين.
والصواب أن وبارًا هي من ناحية الشحر، آخر رمال بني سعد بن زيد مناة بن تميم. وذلك أن وبار بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح نزلها فسميت به.
قال ابن السيرافي قال معاوية بن مالك بن جعفر
رأبت الصدع من كعبٍ وكانوا ... من الشنآن قد صاروا كعابا
قال س: ضرب ابن السيرافي بيتين في بيت فجعلهما بيتًا واحدًا. والصواب:
رأبت الصدع من كعبٍ قد أودى ... وكان الصدع لا يعد ارتئابا
فأمسى كعبهم كعبًا وكانت ... من الشنآن قد دعيت كعابا
قال ابن السيرافي قال رؤبة
لقد خشيت أن أرى جدبا
في عامنا ذا بعد ما أخصبا
إذا الدبا فوق المتون دبا
وهبت الريح به وهبا
تترك ما أبقى الدبا سبسبا
والتبن والحلفاء فالتهبا
كأنه السيل إذا اسلحبا
قال س: توهم ابن السيرافي أن الأراجيز كلها لرؤبة لأجل أن رؤبة كان راجزًا، وهذه عامية فيه. وليست الأبيات لرؤبة، بل هي من شوارد الرجز لا يعرف قائلها، والأبيات التي جاء بها مختل أكثرها. والصواب
إني لأرجو أن أرى جدبا
في عامكم ذا بعد ما أخصبا
إذا الدبا فوق المتون دبا
وهبت الريح بمورٍ هبا
تترك ما أبقى الدبا سبسبا
والتبن والحلفاء فالتهبا
كأنه السيل إذا اسلحبا
وتمام الأبيات، ولا يتم معنى البيت إلا بها:
حين ترى البويزل الأزبا
1 / 49