قالوا إن الوحول في هذا الميدان من ميادين القتال والأمطار في ذاك والثلوج في هذاك حالت دون إقدام الجحافل على القتال والنزال، على أن الشاعر العربي والفارس ذا الطراز المعلم قال لنا من نحو ألف سنة:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا
فأهون ما يمر به الوصول
والحقيقة التي لا ريب فيها هي أن الطبيعة بعناصرها من حر وبرد وثلج وجمد وريح صرصر لا تثني ابن آدم عن أمر عقد العزيمة عليه وإنما يكبح جماحه ويحول دون ركوبه هواه ذلك الزاجر الباطني الذي أشار إليه الشاعر حيث قال:
والنفس لا ترجع عن غيها
ما لم يكن منها لها زاجر •••
يقول الفرنسيون إن متوسط خسارة الألمان 260 ألفا في الشهر بين قتلى وجرحى وأسرى، أي إنهم يخسرون نحو 6 رجال كل دقيقة، ومدة الدقيقة لا تزيد عن مدة قراءة هذه النبذة، فتصور أنك بدأت تقرأ هذه الأسطر، ثم لم تنته منها حتى رأيت نفسك في بحر من الدم وحولك ستة رجال يجودون بأنفسهم. •••
العيشة في الخنادق: وصف جندي فرنسوي المعيشة في الخنادق وصفا يدل على ما اتصف به الجنود الفرنسويون من خفة الروح والظرف والكياسة التي تهون عليهم احتمال الشدائد بصدر منشرح فيخلطون الجد بالهزل في أحرج المواقف، قال ذلك الجندي: إننا في شغل شاغل نبحثر الأرض فنحفرها، ثم نخفرها، ولا نزال نحفرها حتى نحول سطحها إلى سراديب عميقة فيها الطرق المتشعبة الضيقة والشوارع المستقيمة الطويلة العريضة، نطلق عليها أسماء عظماء رجال هذه الحرب، فترى في الخنادق شارع «ألبرت الأول» و«شارع جوفر» و«ساحة إريفي» وهو اسم قائدنا المسكين الجنرال إريفي الذي أصيب بقنبلة فقتلته فأحيينا ذكره بتسمية ذلك الشارع (أي الخندق) باسمه.
وبين هذه الخنادق خندق معرض لرصاص بنادق العدو وقنابل مدافعه، يسمع فيه صفيرها ودويها أناء الليل وأطراف النهار فسميناه «شارع ويت» وأفردنا خندقا للجنود السنغالية فسميناه «قرية السودان» وفي جواره خندق كبير مسقوف يعرف باسم «قاعة الرقص».
ثم إن بعض الجنود منا، الذين تعلموا في المدارس نظم القوافي [يتغنون]
صفحه نامشخص