فأما قوله ﴿يرونهم مثليهم رأي العين﴾ فمنهم من قال: إن المعنى: يرونهم ثلاثة أمثالهم، وذلك أن أصحاب النبي ﷺ كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلًا، والمشركون تسعمائة وخمسون رجلًا. واعترض عليه بأن مثل الشيء في تعارف اللغة مساويه، وأن الله تعالى أرى المسلمين أن المشركين إنما هن ستمائة وكسر، وقد أعلم الله أن المائة تغلب المائتين، فأراهم المشركين على نحو ما أعلمهم أنهم يغلبون ليقوي قلوبهم، وأرى الله - سبحانه - المشركين المسلمين أقل من عدد المشركين، وألقى في قلوبهم الرعب. والدليل على هذا قوله ﴿وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا ويقللكم في أعينهم﴾.
وأما "رأيت" المتعدي إلى مفعول واحد، وهو بمعنى النظر والاعتقاد دون الإدراك بالبصر، فكقولنا: فلان يرى الوعيد، ويرى القول بالعدل، يراد به يعتقده ويذهب إليه، وليس للأحديّ في هذا النحو وجه؛ لأن هذه الأمور لا تدرك بالأبصار. ويدل على ثبات هذا الوجه وصحته قوله تعالى حكاية عن إبراهيم ﵇ ﴿فانظر ماذا ترى﴾، فـ"ترى" ههنا متعدية إلى مفعول واحد؛ ألا ترى أن (ماذا) لا يخلو من أن يكون "ما" مع "ذا" اسمًا واحدًا، أو يكون "ذا" بمنزلة "الذي". فإن كانا بمنزلة اسم واحد كانا في
1 / 69