ولكن المراد بها القوة والقدرة. فهذا بمنزلة قوله: ﴿اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون﴾؛ لأن قوله: ﴿ونقول ذوقوا عذاب الحريق﴾ بمنزلة قوله: ﴿اصلوها﴾ و﴿بما كنتم تكفرون﴾ مثل ﴿بما قدمت يداك﴾، فكان معنى (بما قدمت يداك) بمنزلة: ما كسبته، أي: هذا العذاب عقوبة على ما اجترمته واكتسبته. يقول: ليس بشيء أجبرناك عليه ولا أكرهناك. و"اليد" بمنزلة "القوة"، بدلالة قولهم "لا يد لي بفلان"، أي: لا طاقة لي به ولا قوة عليه. وكما قال أهل الطائف لما قرأ عليهم عتاب بن أسيد ﴿فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله﴾: لا يد لنا أن نكون حربًا لله ورسوله. وقال سيبويه في هذا المعنى "لا يدين بها لك". على أن "اليد" في الآي ليس يرلاد بها الجارحة، وإنما يراد بها القوة، كما ذكرنا / أن فيما يعاقب عليه الإنسان مما كسبه واختاره ما لا عمل لليد التي هي الجارحة فيه، وذلك نحو الاعتقادات وغير ذلك مما لا عمل لهذه الجارحة فيه، وأن الموبخ بقوله (ذلك بما قدمت يداك) موبخٌ بهذا الضرب توبيخه على ما هو فعل هذه الجارحة التي هي اليد، فدل ذلك على أن "اليد" في الآية ليس يعني بها الجارحة، وإذا لم يعن بها لم يجز أن يكون استغنى بها عن ذلك الشخص كالرقبة والرأس والفرج.
فإن قلت: فإن اليد إنما استعملت بمعنى القوة إذا أفرد اللفظ بها، كقول القائل: لا يد لي بهذا الأمر ولا قوة، وما في الآي من ذكرها مثنى ومجموع.
1 / 27