المعوان، بل لو صحت نيته في قصد تلك البنية لوصل إلى المرغوب وأقصر الأمنية؛ لأنه لو قيل لهذا العاجز المتواني: إنك قد ورثت بمكة ألف دينار مثلا، تبلغ به أقصى الأماني؛ لأسرع حينئذ المشي إليها وخلع عن نفسه العجز والتواني.
وهب أن الأمر كما زعم وأن الطرق مشحونة بالآفات، مسدودة بالمخافات، أما كان في طلب الجنة ونعيمها، والهرب من النار وزقومها، ما يكابد به العبد المشقات، وتهون عليه في ذات ربه المصيبات؟ أولا ينظر إلى الناس في كل عام زائرين البيت والمقام، فيرجعون سالمين الأجساد والجوارح، مصروفة عنهم الجوائح؟ فكيف يتعلل المرء بغرور المعاذير، أو كيف يتبهرج(1) بزيفه والناقد بصير؟ فنسأل الله الذي بيده الملك والملكوت، أن يرزقنا حج بيته قبل أن نموت، إنه على ما يشاء قدير.
فلما كان الأمر على ما وصفت، وتأملت الحج فإذا هو قد اندرست(2) معالمه، وتعطلت مشاعره، سنح لخاطري أن أؤلف كتابا في مناسكه، متضمنا ما مست إليه الحاجة من مسالكه، تذكرة لنفسي، ولمن أراد النظر فيه من أبناء جنسي، وأسلك في[س/3] تأليفه أسلوب الاختصار؛ مخافة التطويل الممل في الإكثار، ورغبة عن التقصير المختل به ما لا بد منه من الأحاديث والآثار، جمعت ذلك، وألفته على قلة معرفتي، وخمود فطنتي، فاختصرت القول فيه على ثلاثة أركان، تحتوي على جمل من مسائل الحج وآدابه وأدعيته، التي هي من الله بمكان، كل ركن من هذه الأركان، يشتمل على فصول مرتبة مبانيها، وفروع مشروحة معانيها:
الركن الأول: في سوابق الحج ومقدماته.
الركن الثاني: في أفعال الحج ومحظوراته.
والركن الثالث: في لواحق الحج ومقترناته.
__________
(1) يتبهرج: الباطل والرديء من الشيء، وبهرج بهم: إذا أخذ بهم في غير المحجة.(المصدر السابق)، 1/518. مادة "بهرج".
(2) اندرست: درس الشيء والرسم، يدرس دروسا؛ أي: عفا.(المصدر السابق) 4/329، مادة "درس".
صفحه ۶